إد كروكس: رئيس تحرير صحيفة الفاينانشال تايمز للطاقة.

تخطط السلطات في بكين إلى سن قانون ينص على أن تعمل جميع سيارات الأجرة الجديدة بالطاقة الكهربائية أو الغازية في محاولة لتحسين نوعية الهواء الملوث في المدينة، بحسب ما صدر عن الجريدة الوطنية للأعمال الصينية في الشهر الماضي.

من الجدير بالذكر أن سائقي سيارات الأجرة في بكين ليسوا من محبي سيارات الأجرة الكهربائية المستعملة منذ عام 2014، إذ اشتكوا من عدم كفاءة البطاريات المشحونة وأظهروا استياءهم من تراجع أدائها في الأجواء الباردة وانعدام وجود محطات شحن كافية، إلّا أن فكرة قيام الحكومة الصينية بتكثيف عملها نحو اللجوء إلى الوقود البديل في النقل البري سوف يبث الخوف لدى جميع منتجي النفط في العالم، وقد نوقشت متطلبات الذروة -وهو ما يشكل نهاية نمو الاستهلاك العالم- على النفط لسنوات متعددة في قطاع الطاقة ولكن دون جدوى، إلّا أن بعض شركات النفط الرائدة في العالم ترى الآن أن ذروة الطلب وانخفاض أسعار النفط المستمر يعد خطراً كبيراً يجب التحضير له، واقترحت شركة رويال داتش طريقة لتقديم ذروة الطلب لتكون في نهاية سنوات 2020، بينما تعتقد شركة ستيت أويل أن ذروة الطلب قد تتحقق في منتصف سنوات 2020 ونهاية 2030.

هنالك من يعارض تلك التوقعات، إذ ترى وكالة الطاقة الدولية أنه ما لم يكن هناك إجراءات مكثفة من قبل الحكومات لمعالجة ظاهرة الاحتباس الحراري فمن المرجح أن ذروة الطلب قد تحدث في عام 2040 وربما أبعد من ذلك.

1

وقال جون واتسون -الرئيس التنفيذي لشركة شيفرون في مؤتمر سيراويك للطاقة (CERAWeek) في هيوستن الأسبوع الماضي-: إن بعض التوقعات حول اقتراب فترة ذروة الطلب كانت مجرد أمنيات، ويرى أنه من المرجح أن زيادة الطلب على منتجاتنا ستحتاج لبعض الوقت”.

وتُعَدُّ بعض شركات النفط الكبرى أن ذروة الطلب تشكل تهديداً لهم وتجبرهم بأن يصبحوا أكثر كفاءةً، يقول برنارد لوني -رئيس شركة بريتيش بتروليوم للتنقيب والإنتاج-: إن شركات النفط الكبرى تواجه مشهداً تنافسياً جديداً تتمثل في ثورة الصخر الزيتي في الولايات المتحدة، والتكاليف المنخفضة للطاقة المتجددة، وجهود الحكومات لمكافحة تغير المناخ بالحد من استخدام الوقود الأحفوري، وأضاف: “أن هناك وفرة من النفط والغاز في العالم… وفي الواقع هناك وفرة أكثر مما يحتاجه العالم”، ويضيف لوني: “أنني لا أعلم كيف ستؤثر هذه العوامل على مستقبل الطاقة، ولا أحد يعلم، ولكنني أعتقد أنه ليس من الحكمة أن نتجاهلها”.

بينما كان المحللون والمسؤولون التنفيذيون يناقشون خلال العقد الماضي مسألة ذروة الطلب، استمر الاستهلاك العالمي للنفط بالازدياد، إذ ارتفع من 84.5 مليون برميل يومياً عام 2008 إلى 96.6 مليون برميل يومياً في العام 2016؛ إذ يرى سبنسر دايل -كبير الاقتصاديين لشركة بريتيش بتروليوم- أن من غير المرجح أن يكون للسيارات الكهربائية وحدها تأثيراً على ذروة الطلب، إذ بحلول عام 2035 ستكون هناك 100 مليون سيارة كهربائية وستؤدي إلى تخفيض 1.2 مليون برميل يومياً من الاستهلاك العالمي فقط.

الجدير بالذكر هو أن السيارات تشكل نحو خُمس الاستهلاك فقط، وبدائل فعالة -من حيث التكلفة- لاستخدمات النفط الأخرى يصعب إيجادها، وتتوقع وكالة الطاقة الدولية تراجعاً يسيراً في الطلب على النفط للسيارات بين عامي 2015 و2040، في حين أن استخدامات وقود الديزل للشاحنات ووقود الطائرات والمواد الأولية البتروكيماوية ستنمو بنحوٍ كبير.

2

إن توقعات استهلاك النفط تعتمد على توقعات أسعاره، وتستند توقعات وكالة الطاقة الدولية إلى توقعات أسعار النفط بأن تزداد إلى أكثر من 100 دولار للبرميل بحلول العام 2020، ولكن يشير فيليب فرلجر -أستاذ زائر في جامعة كولورادو للمعادن- إلى أن ارتفاع أسعار النفط قد يدفع العديد من المستهلكين نحو استعمال السيارات الكهربائية والوقود البديل بما في ذلك الغاز الطبيعي المسال للشاحنات، ويضيف فرلجر بقوله: “إنها سلاح ذو حدين إذا يقيت الأسعار منخفضة، فهناك فرصة معقولة للوكالة الدولية للطاقة بأن تكون توقعاتها صائبة حول استمرار نمو استهلاك النفطـ”.

تكمن المعضلة لدى منتجي النفط بأن أفضل أمل لديهم لاستمرار نمو الطلب هو ما إذا ظلت الأسعار عند المستويات التي تكون فيها هوامش الربح والتدفقات النقدية تحت الضغط؛ ولذلك تحاول بعض شركات النفط الكبرى حماية مستقبل عملياتها ضد ذروة الطلب العالمي واستمرار انخفاض الأسعار.

أعلنت شركة شيل (Shell) الأسبوع الماضي بأنها قد باعت معظم أصولها بقيمة 7.25 مليار دولار أمريكي من الرمال الزيتية في غرب كندا، التي تعد واحدة من أغلى مصادر النفط الخام تكلفةً، إذ يقول الرئيس التنفيذي للشركة بن فان بيردن: إن الشركة -التي تعتمد أعمالها على الرمال الزيتية- تحصل على العوائد بأسعار النفط الحالية.

تقوم شركات النفط الكبرى الأخرى بإعادة تشكيل محافظهم الاستثمارية تجهيزاً لسوق أكثر تنافسية، إذ تكثف شركة شيفرون وإكسون موبيل الأمريكية استثماراتهم للصخر الزيتي الأقل تكلفة ولاسيما في حوض بيرميان في تكساس ونيو مكسيكو، وفي الوقت نفسه، تقوم شركة بريتيش بيتروليوم بزيادة إنتاجها للغاز، إذ تتوقع الشركة بأن سوق الغاز سيلقى نمواً أسرع من النفط في دول مثل الهند؛ نظراً لكونها مصدراً للطاقة النظيفة مقارنة بالفحم، كما تقوم بعض المجموعات النفطية الكبرى -وأبرزها شركة توتال (Total)- باستثمارات في مجال الطاقة المتجددة.

إنتاج النفط الصخري في حوض بيرميان في الولايات المتحدة
إنتاج النفط الصخري في حوض بيرميان في الولايات المتحدة

إن الطريقة الوحيدة التي يمكن فيها أن يتنافس منتجو النفط هي وجود نفط خام أقل تكلفة، إذ صرحت شركة إيني الإيطالية بتخفيضها لمتوسط سعر التعادل المفترض في المشاريع الجديدة بمبلغ 30 دولاراً للبرميل، ومن جهة أخرى قال إلدار سياتر -الرئيس التنفيذي لشركة ستيت أويل-: إن الشركة قامت بتخفيض سعر التعادل المفترض “لمحفظتها الاستثمارية القادمة” من حوالي 70 دولاراً إلى أقل من 30 دولاراً للبرميل.

4

يقول باتريك بوياني -الرئيس التنفيذي لشركة توتال- إن 65-70 في المئة من المدخرات التي حققتها الشركة متعلقة بالهيكلية، وإن تلك التخفيضات الحادة من حيث التكلفة هي لتمكين المجموعات النفطية الكبرى بالبقاء، فيتحدث بوياني عن كونه “متفائلاً” لارتفاع سعر النفط الخام ليصل إلى 55 دولاراً للبرميل الواحد، وتعتزم الشركة الموافقة على عشرة مشاريع كبيرة جديدة خلال الأشهر القادمة.

ترى التوقعات أنه في حال تحقق السيناريو الذي رسمته وكالة الطاقة الدولية باستمرار نمو الطلب على النفط وارتفاع أسعاره بحلول عام 2020 فإن هذه المشاريع قد تكون مربحة للغاية، لكن الخطر يكمن في عملية تسريع مبيعات السيارات الكهربائية، ووجود مزيد من الاستثمارات في مجال الطاقة البديلة.

تعمل شركات النفط الأوروبية على زيادة الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة

قامت شركات النفط الأوروبية مثل (شركة توتال الفرنسية، وستيت أويل النرويجية) بزيادة استثماراتها في مجال الطاقة المتجددة؛ تحضيراً لمستقبل من الممكن أن تتراجع فيه ذروة الطلب على النفط نحوٍ كبير.

يقول إلدار سياتر -الرئيس التنفيذي لشركة ستيت أويل-: إن التنويع في مصادر الطاقة المتجددة هو أمر منطقي، ونحن لدينا كثير من المهارات التي من الممكن أن نستثمرها بنحوٍ مباشر في طاقة الرياح البحرية، والتي قد تحقق عوائد جيدة، وهي أقل تكلفة بكثير من رأس المال الذي يتطلبه النفط والغاز”.

إن الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة قد يكون مفيداً أيضاً بتحسين الصورة المشوهة لمنتجي النفط، إذ قال بن فان بيردن -الرئيس التنفيذي لشركة رويال داتش شيل- “إن الثقة في شركات النفط قد تراجعت إلى درجة كبيرة”؛ فقد حصلت شركة شيل على عقد لبناء حقل لتوليد الكهرباء بطاقة الرياح تصل إلى 700 ميجاوات في هولندا، وكانت شركة توتال في السنوات الأخيرة رائدة بين شركات النفط الغربية الكبيرة بالاستثمار في مجال الطاقة المتجددة.

يقول باتريك بوياني -الرئيس التنفيذي لشركة توتال-: كان الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة عملاً حقيقياً، وليس عملاً خيرياً، ولكنه أيضاً “طريقة لجعل قطاع النفط والغاز أمراً مقبولاً”، ويضيف: أن شركات النفط والغاز قد تم اتهامهما بأنهما “شريرينِ”، وذلك في النقاشات التي حدثت حول تغير المناخ، وكان الاستثمار بمبلغ 500 مليون دولار من التدفق النقدي المحتمل الذي يصل إلى 22 مليار دولار يُعَدُّ أمراً منطقياً للحفاظ على موطئ قدم في عالم الطاقة المتجددة الذي ينمو نمواً سريعاً؛ بسبب تقدم التكنولوجيا، وكشف بوياني عن وجود “بعض المساهمين الذين يضغطون علينا لكي نفعل ذلك”، ومع ذلك فقد قال بوياني: “إن الاستثمار في الطاقة المتجددة تتمثل بنسبة 5% فقط من استراتيجة الشركة، فعلى الرغم من كل شيء نحن لا نزال شركة نفطية”.


المصدر:

 https://www.ft.com/content/47dbcb80-08ae-11e7-ac5a-903b21361b43