نيكولاس بوروز، مستشار في مجال الاستخبارات الاستراتيجية في واشنطن.

 بريندان ميجان، محلل اقتصادي في واشنطن.

لماذا باتت أيام الهيمنة السعودية على السوق النفطي معدودة؟

يأمل العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز من خلال زيارته لآسيا أن يجذب الاستثمارات اليابانية والصينية إلى المملكة العربية السعودية، مما يمثل دليلاً آخر على مدى التزام البلد نحو إصلاح اقتصاده، وتؤكد هذه الرحلة -التي أتت في وقت تنفيذ مجموعة من التعديلات المالية الداخلية وظهور الطرح العام الأولي (IPO) لشركة البترول والغاز الطبيعي أرامكو السعودية- اعتراف المملكة بحاجتها إلى تقليل اعتمادها على النفط، وقد أتى هذا الإدراك نتيجة السياسات الفاشلة المتبعة في الفترة 2014-2016 التي أجبرت الرياض على قبول حقيقة أن أيام هيمنتها على أسواق النفط العالمية قد ولت.

كانت استراتيجية المملكة العربية السعودية خلال حرب النفط تتمثل بالإنتاج بكثرة، على أمل أن ذلك سيؤثر سلباً على إيران والولايات المتحدة. لقد تمتعت إيران دائماً بالقدرة الكامنة على انتزاع السيطرة على السوق من السعودية إلا أن العقوبات الدولية منعتها من القيام بذلك، لكن بعد الاتفاق النووي ازداد التهديد الإيراني للسعودية، وفي الوقت نفسه قدمت صناعة النفط في الولايات المتحدة تحدياً جديداً، فبحلول عام 2015 -وبعد عشر سنوات من الابتكارات التكنولوجية بما في ذلك استخدام اختبارات الزلازل اللاسلكية والتشغيل الآلي لمختلف العمليات في الرقع النفطية- قامت الولايات المتحدة بسحب عباءة زعامة الإنتاج العالمي من المملكة العربية السعودية.

وفي مواجهة تآكل حصتها النفطية في السوق، رفضت الرياض خفض إنتاجها النفطي، وبدلاً من ذلك اختارت زيادة الإنتاج في سجلاتها لعام 2016 بمستويات تحافظ على الإمدادات العالمية العالية وانخفاض الأسعار، وبقيامها بذلك راهنت الرياض على أن بإمكانها الصمود في مواجهة انخفاض الأسعار لامتلاكها أكثر من نصف تريليون دولار في احتياطيات النقد الأجنبي، في حين أن الولايات المتحدة وإيران ستواجهان كثيراً من الضغط المالي الذي سيدفعهما إلى الانسحاب من هذا السباق، وهذا ما مثل تباعداً ملحوظاً عن الاستراتيجية السعودية الماضية، التي عادةً ما فضلت خفض الإنتاج لتنظيم العرض والإبقاء على ارتفاع الأسعار.

كانت حرب الإنتاج مكلفة للسعودية، إذ أضر انخفاض أسعار النفط بالسوق المالية للبلاد، فبين عامي 2014  و2016 انخفضت احتياطيات السعودية من 746 مليار دولار إلى 536 ملياراً؛ وهذا من شأنه إفراغ خزائن المملكة خلال نصف عقد إذ ما استمر الانخفاض بالوتيرة نفسها، وقد أدى الانخفاض في عائدات النفط فضلاً عن التكاليف المترتبة على الحرب في اليمن ونظام المساعدات الحكومية والضرائب والرسوم المنخفضة إلى مواجهة وضع لا يمكن تحمله؛ لذلك لم يتفاجئ أحد حينما أعلنت الرياض وقف إطلاق النار في حربها النفطية العام الماضي عبر الاتفاق مع أعضاء أوبك على خفض الإنتاج.

ربما كان الإفراط في الإنتاج السعودي سنيجح إذا ما تمكن من إخراج إيران أو الولايات المتحدة من السوق، ولكن بدلاً من ذلك كانت المملكة العربية السعودية الضحية الرئيسة، ونظراً لمدى شدة العقوبات على إيران كان لا بد من أن تستفيد الأخيرة من أي صادرات نفطية، من دون الالتفات كثيراً إلى أسعار النفط، وعلى الرغم من الخسائر المتحققة لمنتجي النفط الصخري الأمريكي بسبب انخفاض الأسعار، تواصَلَ امتلاكُ هؤلاء المنتجين لميزة تنافسية بسبب تكنولوجيا الاستخراج، وأدى ضغط انخفاض الأسعار إلى دفع المنتجين الأمريكيين للتركيز أكثر على خفض التكاليف، والتشغيل الآلي، وزيادة الكفاءة العامة لخفض سعر التعادل.

إن المنتجين الأمريكيين متقدمون بفارق كبير على أقرانهم في كثير من بلدان العالم، بما في ذلك المملكة العربية السعودية؛ وذلك لقيام الخبراء في الولايات المتحدة بتطوير تقنيات جديدة تمكن المنتجين الأمريكيين من الحصول على مزيد من النفط من عملياتهم في الخارج، وقد حوّل هؤلاء الخبراء الآن التكنولوجيا التي يستخدمونها إلى الداخل، إذ أصبحت الولايات المتحدة واحدة من مراكز الابتكار التكنولوجي في الحفر الأفقي والتكسير؛ لهذا السبب قامت أرامكو السعودية بإنشاء مركز للأبحاث في هيوستن لاستكشاف استخدام إنتاج النفط والغاز غير التقليدي.

وبطبيعة الحال لم يحالف الحظ المملكة العربية السعودية، إذ تباطأ نموها، وازدادت ديونها؛ فلهذه الأسباب أخذت تكلفة السعودية في الحد من الاقتراض بالارتفاع، وقامت شركات فيتش، وستاندرد أند بورز، وموديز للتصنيف الائتماني بخفض تصنيف البلاد في عام 2016.

نتيجة للصعوبات المالية التي تواجه البلاد، وسعت المملكة العربية السعودية من طرق دعم اقتصادها، وكان أحد الإجراءات غير المسبوقة هو فتح خمسة بالمئة من أسهم شركة أرامكو السعودية للاكتتاب العام -وهذا سيحدث في العام المقبل-، ومن المرجح أن يكون ذلك أكبر اكتتاب في التأريخ. سعى الملك سلمان في رحلته إلى آسيا لجذب المستثمرين للاكتتاب العام، وتسعى بورصة هونج كونج والمقاصة لاستضافة هذا الحدث، وستكون هونغ كونغ -نظراً لارتباطها بالأسواق الصينية- بمنزلة الجسر بين أرامكو السعودية وجيوب المستثمرين الصينيين الرئيسين.

تُعَدُّ الإصلاحات المالية الداخلية أمراً غير مسبوق، إذ تتضمن زيادة الضرائب غير المباشرة، ورسوم التأشيرة للوافدين، وخفض الدعم لمنتجات المياه والطاقة، والحد من عدد مشاريع الأشغال العامة في قطاعات النقل والسكن والرعاية الصحية، وربما كان التغيُّر الأكثر خيالياً من كل شيء هو نية المملكة العربية السعودية تغيير تقويمها من 354 يوماً في التقويم القمري الإسلامي للتقويم الميلادي الذي يتكون من 365 يوماً؛ مما يسمح للحكومة بزيادة أيام عمل الموظفين دون زيادة الرواتب السنوية.

حتى قبل انخفاض أسعار النفط، كانت السعودية على علم بأنها في المستقبل غير البعيد جداً ستكون بحاجة إلى ترتيب بيتها المالي، وتنويع اقتصادها، وهذا هو سبب سعيها إلى تطوير القطاعات غير النفطية الجديدة، مثل الطاقة المتجددة، والزراعة، والألبان. وحتى وقت قريب، كانت السعودية تتحرك بوتيرة بطيئة نحو هذا الهدف، ولكن الحرب النفطية أظهرت أن التغيير البطيء لم يعد خياراً.


المصدر:

https://www.foreignaffairs.com/articles/saudi-arabia/2017-03-13/saudi-arabias-failed-oil-war?cid=int-lea&pgtype=hpg