نشر المجلس الأطلسي للولايات المتحدة في شهر تشرين الأول 2016 تقريره النهائي لفريق عمله الذي عكف على صياغة مقترح استراتيجية أميركية للشرق الأوسط. وقد ترأس فريق العمل كل من مادلين أولبرايت، وزيرة الخارجية الأميركية السابقة، وستيفن هادلي، مستشار الأمن القومي الأميركي السابق. وتعتبر هذه الاستراتيجية خطة عمل مقترحة للإدارة الأميركية لكيفية النظر الى مشاكل منطقة الشرق الأوسط والتعاطي معها من منطلق المصالح الأميركية. وتتحدث عن وجود أربعة حروب أهلية في المنطقة في سوريا، والعراق، واليمن وليبيا.

تقع الاستراتيجية في 120 صفحة ويتضمن الفصل الثالث  منها المبادئ التوجيهية للاستراتيجية، والفصل الرابع عناصر الاستراتيجية، والفصل الخامس صد العنف في المنطقة، والسادس اساليب تطوير القابليات البشرية في المنطقة.

المصالح الأميركية الموجهة للاستراتيجية

تتحدث الاستراتيجية عن تداخل المصالح الأميركية في الشرق الأوسط. وأن ما يحدث في الشرق الأوسط له تأثيرات حيوية على الأميركيين. وهذه المصالح تلخصها الاستراتيجية كالتالي:

  1. حماية الولايات المتحدة والمواطنين الأميركيين من الإرهاب، وتعارض الاستراتيجية تقليل التعامل الاميركي في مواجهة الإرهاب، وأن الضمان لتأمين الولايات المتحدة ضد الارهاب يتمثل في مواجهة الارهاب في مصادره في الشرق الأوسط.
  2. حماية الاقتصاد الأميركي، حيث تمثل منطقة الشرق الأوسط واحدة من اهم الاسواق المستهلكة للمنتجات الأميركية. وقد استوردت المنطقة ما قيمته 90 مليار دولار من البضائع والسلع الأميركية عام 2015.
  3. منع انتشار أسلحة الدمار الشامل، حيث تؤشر الاستراتيجية على خطورة ان تعمد القوى الاقليمية في الشرق الاوسط، بما فيهم اصدقاء الولايات المتحدة وحلفاؤها الى امتلاك اسلحة دمار شامل. في حال تخلت الولايات المتحدة عن تفاعلها مع شؤون المنطقة. مما يعني تشكل اجواء خطيرة في ظل اوضاع هشة وامكانية وقوع تلك الاسلحة بأيدي مجاميع ارهابية.
  4. منع حصول كوارث انسانية مهددة للاستقرار. حيث تشير الاستراتيجية الى أن النزوح الجماعي للبشر في ظل الحروب والكوارث سيمثل وضعا مهددا للاستقرار في المنطقة والعالم، ومن ادلتها قرار بريطانيا الخروج من الاتحاد الاوروبي وتسميم الاوضاع السياسية في الغرب.
  5. تمكين اصدقاء وحلفاء الولايات المتحدة للوقوف بشكل افضل في مواجهة التحديات المشتركة. لا تستطيع الولايات المتحدة الوقوف لوحدها في مواجهة التحديات العالمية. وتتشارك الولايات المتحدة مع بلدان أخرى لمواجهة التحديات أو للدفاع عن القيم والمصالح المشتركة. كاسرائيل في المنطقة، أو اوربا، فإن هؤلاء الحلفاء سيكونون اكثر استعداد للانخراط في حل الازمات ان وجدوا الولايات المتحدة تتعامل بشكل فاعل في مواجهة التطورات الخطيرة في الشرق الاوسط والمناطق الأخرى.
  6. جعل العمليات العسكرية الأميركية في العالم أكثر قدرة. تعد القوة العسكرية للولايات المتحدة الأضخم في العالم، وتتحدد قدرة هذه القوات في حماية الولايات المتحدة على قدرتها في تحريك افرادها ومعداتها بحرية في العالم. ويعد تحريك هذه القوات بسرعة وفاعلية مع وجود قواعد عاملا مهما في توجيه اي رد قبل ان يصل الأراضي الاميركية. ويمثل الموقع الاستراتيجي للشرق الأوسط بين ثلاث قارات امراً هاماً في هذا التوجه. ومع انتشار الفوضى في الشرق الأوسط، وتوجه قوى معادية للولايات المتحدة لملأ الفراغ فيه، فإن الولايات المتحدة قد تفقد موقعاً حيوياً لها في هذا الجزء الهام من العالم.

الحدود ليست المشكلة وإنما سوء الحكم

على الرغم من أن رسم الحدود في المنطقة على يد قوى استعمارية في الماضي قد أحدث الكثير من النزاعات والمشاكل، إلا أن “تصحيح” تلك الحدود، وإعادة  رسم الخرائط الحالية لن يجلب وضعاً متجانساً للسكان. إذ أن مشكلة الشرق الأوسط الجوهرية لا تتمثل في الحدود بحد ذاتها، وإنما في اداء وسلوك الحكومات ضمن هذه الحدود. وعلى الأغلب، وقد تم تشكيل تلك الدول من قبل حاكميها سواء بسبب انعدام الكفاءة أو القصد، لكي تخدم مصالح مجموعات محددة دون غيرها. وقد وقع المواطنون فريسة سياسات “فرق تسد” التي انتهجتها دولهم دون أن يجدوا مهربا منها. وعلى الرغم من ان الحدود التي رسمها الاستعمار في الماضي قد خلقت تحديات، إلا أن أطول خط حدود غير مراقب في العالم الآن هي الحدود بين الولايات المتحدة وكندا. وقد تم رسم هذه الحدود من قبل  قوى استعمارية متنازعة أدت إلى انشاء خطوط دينية واثنية. إلا ان في الشرق الاوسط، فإن الحكومات والمجتمعات الضعيفة، خلقت اختلافات في الهوية بشكل خطير، وجعلت الحدود في دائرة المشاكل. ولكن يبقى الحل ليس في اقامة حدود جديدة، التي ستنتج على الارجح مشاكل وازمات جديدة عبر خطوط الهوية، والانقسامات الاثنية والعشائرية.

المبادئ التوجيهية للاستراتيجية

  • النظام القديم قد انتهى ولن يعود

 أدت الأحداث التي حصلت خلال العقد الأخير إلى خلخلة الوضع القائم في الشرق الأوسط وقواعد النظام التقليدية. ولن يتحقق الاستقرار ما لم يتشكل نظام اقليمي جديد. ويبقى التحدي في تحديد هيئة هذا النظام الجديد وتطوير استراتيجية لتحقيقه.

  • يجب أن تأخذ المنطقة المسؤولية على عاتقها لتحدي النظام الاقليمي الجديد

 حيث ولى الزمن الذي كانت فيه القوى الخارجية تفرض فيه نظامها أو مفهومها للنظام في المنطقة. وتشير التطورات بعد عام 2011 الى ان مثل هذه التدخلات ستكون اقل نجاحا في المستقبل.

  • الانسحاب من المنطقة ليس حلا عملياً بالنسبة للغرب

ويعني الانسحاب من المنطقة وعدم ايلاء أزماتها الاهتمام اللازم انتشار تلك الأزمات وتعمقها.

  • القوى الخارجية تستطيع تقديم المساعدة، ويعد ذلك جزء هاما من مصالحها

الظروف غير ملائمة في المنطقة كي تتمكن من وضع الحلول لنفسها بنفسها. وتعترف الكثير من القوى في المنطقة بذلك، وترغب في العمل على مستوى الشراكة مع المساعدة الدولية الصحيحة. وتعاني القوى الخارجية من الاحساس بالسوء تجاهها للتدخل وفي نفس الوقت لعدم التدخل.  ولكن من الضروري فهم أن من مصلحة القوى الخارجية أن تقوم بما عليها أن تقوم به لايقاف النتائج العالمية لاي تدهور وفوضى في المنطثة.

  • القوى الخارجية ينبغي أن تلعب دوراً مختلفاً عما كانت تلعبه في السابق

حيث ينبغي على اوروبا، الولايات المتحدة، روسيا، الصين، والقوى الدولية الأخرى أن تتحرك وفق مقاربة المساندة والتسهيل للجهود الإيجابية للبلدان، القادة والشعوب في المنطقة.

  • لا تستطيع اية استراتيجية للمنطقة ان تركز بشكل منفرد على مكافحة الإرهاب

فقط حيث ان داعش والقاعدة ليست هي السبب الوحيد للأزمة الحالية. وحتى ان اختفت هذه المجموعات، فإن الأزمات في المنطقة ستستمر في الاشتعال، ومجموعات أخرى ستنشأ بدلاً عنهما.

  • الصراع الطائفي والإثني أمر لا مفر منه

الصراعات تشتعل بسبب الحروب الأهلية والتنافس الجيوسياسي بين دول المنطقة. وفك هذه الصراعات سيكون الخطوة الأولى لاطفاء التوترات.

  • لن يمكن تحقيق الاستقرار مع استمرار تدخل القوى الاقليمية في الشؤون الداخلية لبعضها البعض

حيث ادى انهيار النظام الاقليمي الى تدخل الدول الاقليمية في شؤون جيرانها الداخلية، بشكل معلن وخفي. وايران لديها منهج ممأسس للتدخل كجزء من استراتيجيتها الأمنية. على كل الاطراف التوقف عن مثل هذه النشاطات والسماح لظهور نظام اقليمي اكثر استقرارا.

  • سيادة الدول على اراضيها شيء هام، ولكن تمكين الحكومات المحلية شرط ضروري اذا شاءت الدول ان تبقى ضمن حدودها الحالية.
  • التركيز على شعوب المنطقة بدلاً من الدول

لن يتمكن الشرق الأوسط من بناء مستقبل أفضل بدون وجود مشاركة فاعلة لشعوب المنطقة بما في ذلك الشباب والنساء والذين تم تشريدهم بسبب الصراع.

  • الحكومات يجب أن تكون مسؤولة أمام مواطنيها بشكل متساو

 تعود جذور انعدام النظام الحالي الى وجود احساس لدى الناس بأنه يتم التعامل معهم بشكل مجحف وانهم لا يحصلون على نفس المستوى من الموارد والحماية مقارنة بالآخرين. توفير الحماية المساوية للمواطنين تحت حكم القانون سيكون الاساس لمجتمعات سليمة.

  • يحتاج الشرق الأوسط الى اطار امني اقليمي خاص به اذا اراد أن يمضي قدما نحو المستقبل

تحدد شروط وقواعد هذا الاطار بلدان المنطقة، وتعد مثل هذه الأطر أساسية لتوفير الاستقرار والرفاهية في المنطقة والعالم.

  • المقاربة يجب أن تتم وفق التواضع والصبر

تمثل الأزمة في الشرق الأوسط  أصعب أزمة يواجهها العالم منذ نهاية الحرب الباردة. ولا أحد يعرف على وجه التحديد كيف ستنتهي، أو أفضل طريقة لعلاجها. ولكن من الضروري تغيير مسار المنطقة نحو مسار أفضل، وتقبل أن العالم سيبقى يواجه هذه المجموعة من المشاكل لفترة طويلة من الزمن.

صد العنف

ويتحرك هذا الجزء من الاستراتيجية وفق مبدأ التعامل مع السلطات والدول وليس مع الشعوب.

  • جهود لتحقيق عقد اقليمي للشرق الأوسط. وهو عقد غير رسمي لتحقيق تحالف قائم على التفاهمات ومستويات التعاون وليس على مستوى الاتفاقيات الرسمية بين بلدان المنطقة.
  • أولوية حماية المدنيين. ويتضمن ذلك من بين امور اخرى، التوسع في مساعي وقف اطلاق النار، تطبيق المعايير الدولية في حماية المدنيين وتقديم المعونة لهم، واقامة مناطق آمنة عند الضرورة.
  • الجهود العسكرية ضد داعش والقاعدة تتسع وتقوى. ويتم تحقيق ذلك من خلال تصعيد الجهود العسكرية الأميركية ضد داعش والقاعدة، تمكين القوى العشائرية التي تحارب حالياً داعش والقاعدة، وتوظيف القدرات الخاصة التي تمتلكها الولايات المتحدة كالمعلومات والنقل وغيرها من امور في دعم القوى المحلية المقاتلة على الأرض، تدمير قدرات داعش بحيث لا تتمكن من أن تمثل خطراً على الولايات المتحدة أو حلفائها وأصدقائها في المنطقة وأوروبا. استغلال التحسن في العلاقات العسكرية بين الولايات المتحدة والقوى الإقليمية لتثبيت السلام في المنطقة عبر أساليب مختلفة مخصصة لكل قوة اقليمية.
  • الجهود العسكرية لا تكفي لوحدها لانهاء الارهاب. ويتضمن ذلك من بين امور اخرى، مراجعة وتحديث التعليم الديني في المنطقة، والتوسع في تدريس المواد في المدارس والمعاهد الدينية بحيث لا تقتصر على المواد الدينية فقط.
  • العمل على تقليص حدة الحروب الأهلية خصوصاً في سوريا. حيث سيؤدي العمل الأميركي على تقليص حدة الحروب الاهلية في المنطقة الى تقليل حدة المواجهة السعودية-الايرانية وفي نفس الوقت سيؤدي الانخراط الأميركي الى تطمين العربية السعودية بأن الدعم الأميركي سيستمر لها وايقاف واحتواء الجهود الايرانية التي تتدخل في الشؤون الداخلية في البلدان المجاورة.
  • الحرب الأهلية في العراق، ينبغي أن يقوم الجيش العراقي بقيادة الحرب لهزيمة داعش بسرعة وبدون الاعتماد على الميليشيات الشنيعية. وأن تقوم الحكومة العراقية على عجل بتطوير خطة للمصالحة، الحكم المحلي، والنهوض الاقتصادي للمناطق المحررة من داعش. أن تثبت الحكومة العراقية للسكان السنة انها تستطيع ضمان مصالحهم اكثر من داعش. أن تقوم حكومتا بغداد واقليم كردستان بحل خلافاتهما. وأن تقوم المؤسسات الحاكمة في العراق بمواجهة الفساد.
  • ردع واحتواء ايران، وفي نفس الوقت التعاطي معها في مسائل المصالح المشتركة.
  • وضع مقاربة جديدة من اجل مساعدة ودعم اللاجئين والمهجرين داخليا.

تطوير القابليات البشرية في المنطقة

  • التركيز على تطوير وتنمية الرأسمال البشري خاصة الشباب والنساء.
  • دعم وتسهيل الاصلاحات التنظيمية لتعزيز التجارة، الاستثمار والتكامل الاقتصادي مع التركيز على اصحاب المشاريع الخاصة.
  • تشجيع ومكافأة الحكومات التي تمكن مقاربات حل المشاكل التي تجعل المواطن في مركز عملها وقطاع الاعمال ذات الجانب الاجتماعي.
  • تشجيع الدول في المنطقة التي تجعل الحكم الرشيد من أولوياتها، والذي يتضمن تمكين الحكم المحلي بموارد جيدة.
  • التحرك باتجاه اطار اقليمي يتضمن آليات تسهل الحوار الاقليمي واطفاء الازمات والنزاعات.

المصدر للتوسع في قراءة الاستراتيجية

http://www.peacefare.net/wp-content/uploads/2016/11/MEST_Final_Report_web_1130.pdf

النسخة العربية