يتطرق هذا البحث إلى التنمية الاقتصادية في العراق من منظور جديد، إذ ينظر إلى التنمية باعتبارها عملية لتحقيق الإمكانيات البشرية-بما في ذلك قدرة الدولة- التي تتوسطها المؤسسات، ويؤكد على أن العديد من المحن الاقتصادية التي مرَّ بها العراق- صعوبات القيام بالإستثمارات، وسوء الخدمات العامة، وتباطؤ النمو- يمكن أن تفهم بشكل أفضل ضمن إطار التراجع المؤسسي فيما يخص القدرات البشرية التي حصلت منذ عام 1990.

يتعارض هذا البحث مع وجهتي نظر رئيسيتين واللتين هيمنتا على المناقشات التي جرت حول التنمية الاقتصادية في العراق والشرق الأوسط، في حين أنهما يقدمان معلومات مهمة، إلاّ أنهما لا يوضحان تجربة التنمية الاقتصادية في العراق بنحوٍ ملائم، ولاسيما خلال الثلاثين عاماً الماضية. تركز المجموعة الأولى على أثر النفط على الهياكل الاقتصادية (التي تعرف باسم المرض الهولندي) والعلاقات السياسية (التي تعرف باسم فرضية الدولة الريعية)، إذ تؤكد هاتان النظريتان على الآثار السلبية للنفط فيما يتعلق بالاقتصادات غير الكفوءة والراكدة والسياسات الاستبدادية (على سبيل المثال؛ الخفاجي 2012). بينما تؤكد المجموعة الثانية على أهمية تطبيق لائحة لأفضل الممارسات فيما يتعلق بتحرر الأسواق وصرف العملات، وهي سياسات تم تحديدها من قبل المنظمات الدولية ولاسيما البنك الدولي وصندوق النقد الدولي- غالباً ما يطلق عليها “إجماع واشنطن”- ولاسيما بين صانعي القرار في الغرب بعد عام 2003، ولكن أيضاً قبل ظهور النظام الاقتصادي المركزي العراقي، تحت حكم نظام البعث.

إن النظريات المرتبطة بوجهة النظر الأولى غير قادرة على تفسير سبب أن البلدان ذات الهيكلية الاقتصادية المشابهة للعراق مثل: الجزائر وإيران والمملكة العربية السعودية، قد شهدت تأريخاً تنموياً مختلفاً، أما بالنسبة للنظريات المرتبطة بوجهة النظر الثانية فهي تقوم بتعويم التوقعات الوردية بحدوث ازدهار سريع في الاقتصاد العراقي بعد رفع العقوبات الاقتصادية واستئناف التدفقات التجارية مع العالم في عام 2003، إن النتائج المحدودة نسبياً من إصلاحات السوق الليبرالية الجديدة (إجماع واشنطن) في العراق لا تعني أن الإصلاحات خاطئة تماماً في جميع المجالات، ولم تقم هذه السياسات بإحداث النتائج المتوقعة وذلك بسبب عدم توافر الشروط المؤسسية المسبقة اللازمة لنجاحها.

لقراءة المزيد اضغط هنا