مايكل وحيد حنا: زميل أقدم في مؤسسة “القرن”، وزميل مساعد في مركز القانون والأمن في جامعة نيويورك -كلية الحقوق.

فيما يأتي ملخص عن النص الأصلي للمؤلف مايكل وحيد حنا:

بيّنت الولاية الثانية للرئيس الأمريكي باراك أوباما أوجه الخلل لكثير من العلاقات الأمريكية في العالم العربي، وبعض تلك المشكلات نابعة من الخلافات السياسية، مثل التوتر بين الولايات المتحدة ودول الخليج حول القضايا السورية والاتفاق النووي الإيراني، فضلاً عن انعدام الاستقرار في العراق نتيجة الحرب، التي خلقت مساحة غير مسبوقة لهيمنة السلطة الإيرانية، وزرعت الشك حول كفاءة عمل الولايات المتحدة الأمريكية.

تزامنت جهود إدارة أوباما بالتعامل مع القيود المفروضة على الموارد وإعادة توازن الالتزامات الخارجية مع فترة اندلاع الاضطرابات السياسية والاجتماعية والعسكرية في العالم العربي؛ الأمر الذي أدّى إلى ظهور نظام غير مستقر في الدول العربية، ولاسيما أنها بيّنت أن بعض العلاقات الأمريكية الرئيسة للتعامل مع تلك الاضطرابات كانت غير ملائمة، إذ كانت الاستراتيجية الأمريكية في الحفاظ على الأمن الإقليمي ترتكز إلى مصر والسعودية اللتان تعدان العامل الرئيس في زعزعة الاستقرار في المنطقة، تسببت الاضطرابات الداخلية في مصر منذ سقوط حسني مبارك في عام 2011، إلى زرع الشك بنوايا الولايات المتحدة وانتشار حركة معادية لأمريكا. أما بالنسبة للسعودية، فقد انتهجت سياسات قامت بتقويض المصالح الأمريكية في مصر وسوريا والعراق واليمن، فضلاً عن جهودها في تقويض الدبلوماسية الأمريكية في إيران بسبب البرنامج النووي.

إن العلاقات الثنائية المتزعزعة بين الولايات المتحدة الأمريكية وكل من مصر والسعودية هو ما سيدفع الولايات المتحدة الأمريكية إلى تنويع سياساتها الإقليمية وتعميق علاقاتها مع العراق والإمارات.

إن تعزيز العلاقات مع العراق والإمارات لها تحدياتها الخاصة، إلا أن كلا البلدين يظهران استعداداً في إنشاء علاقات قوية مع الولايات المتحدة، فضلاً عن صمودهما في وجه الخلافات السياسية مع واشنطن، وقد يبدو اختيار العراق أمراً غريباً في ضوء علاقته مع إيران وعلاقاته المشحونة مع الولايات المتحدة، لكن تأريخ العلاقات بين الولايات المتحدة والعراق واستراتيجية العراق المركزية تثبت عكس ذلك، لقد كانت المشاركة الأمريكية في العراق واسعة النطاق إذ اكتسبت أمريكا معرفة تفصيلية حول الدولة العراقية وقياداتها السياسيين، وبعد انسحاب القوات الأمريكية عام 2011، استخف كل من العراق والولايات المتحدة الأمريكية بأهمية الحفاظ على تلك الروابط، ومنذ ذلك الحين يحاول كلا البلدين إعادة تأسيس بعض تلك الروابط لمحاربة تنظيم داعش الإرهابي.

إن أي تصور لموقف أمريكا في العالم سيتطلب وجود علاقات مثمرة بنحوٍ أكثر في العالم العربي بطبيعة الحال، فإن أي مناقشة تخص العراق يجب أن تشتمل على قضية إيران الشائكة، على الرغم من أن الدور الإيراني في العراق يساء فهمه في كثير من الأحيان، إلا أن أي حكومة رشيدة في بغداد يجب أن تسعى إلى إنشاء علاقات مستقرة مع طهران، ومع ذلك فإن إيران تنظر إلى الدور الأمريكي في العراق كونه منافساً لها، لذلك قامت بدعم بعض المقاتلين في العراق، وهذا الأمر هو ما سيوفر مساحة للولايات المتحدة بأن تؤدّي دوراً سياسياً، إذ يرى العديد في العراق أن تدخل واشنطن يشكل موازنة مهمة للنفوذ الإيراني.

يُعدُّ استقرار العراق أمراً ضرورياً لاستقرار المنطقة، إذ يعتمد وجود نظام إقليمي آمن، وبنية أمنية مستدامة، على إعادة دمج العراق في العالم العربي، وذلك لن يكون ممكناً إلَّا إذا قامت سياسة العراق الداخلية على أسسٍ أكثر استقراراً.

إن تطبيع دور العراق الإقليمي يساعد أيضاً في الحد من الاستقطاب الطائفي ووضع ترتيبات عملية بين دول الخليج وإيران؛ ولذلك فإن خلق التوازن بين العراق وإيران قد تكون الخطوة الأولى في تخفيف حدة التوترات الإقليمية.

 إن أي جهود مبذولة من قبل الولايات المتحدة لنشر الاستقرار الإقليمي سيتطلب مشاركة دول الخليج أيضاً، التي ازداد نفوذها عبر ممارستها للسلطة بطريقة حازمة، وإن هذه الشجاعة المكتشفة حديثاً قامت في كثير من الأحيان بمعارضة وتقويض السياسات الأمريكية في مصر وليبيا وعبّرت عن تحفظاتها بشأن الاتفاق النووي الإيراني فضلاً عن نوايا الولايات المتحدة في المنطقة.

إن علاقات الولايات المتحدة يجب ألَّا تقتصر على الحكومات الديمقراطية فقط بل عليها أن تخوض في مساومات مع أنظمة استبدادية إذا أرادت أن تؤدّي دوراً فعّالاً في العالم، ولاسيّما في منطقة الشرق الأوسط؛ ولذلك تقدم الإمارات للولايات المتحدة نوعاً مختلفاً من العلاقات، لأنها حريصة على تعميق العلاقات وعلى استعداد للمشاركة مع واشنطن بشأن قضايا ذات الاهتمام المشترك، إذ ترغب الإمارات بإنشاء علاقات سياسية وأمنية، فهي تجد فرصة مناسبة لزيادة فعالية جيشها الخاص وإثبات فائدتها في مساعدة واشنطن لتحقيق أهدافها.

لم يتم التراجع عن تلك الرغبات على الرغم من السياسات السيئة التي كانت السمة المميزة لولاية أوباما الثانية، بدءاً من اتفاقية إيران وصولاً إلى سوريا، ولكن استجابةً لهذه التوترات الواضحة واصلت الإمارات سعيها نحو تحقيق هدفها بإنشاء علاقات وثيقة مع الولايات المتحدة.

 إن ذلك يتطلب براعة المسؤولين الأمريكيين والإماراتيين، الذين يدركون مدى حساسية هذا الأمر بالنسبة للسعودية، والحرص على تجنب رد فعل سلبي منها.

إن أي تصور لموقف أمريكا في العالم سيتطلب وجود علاقات مثمرة بنحوٍ أكثر في العالم العربي، ويتوجب على الإدارة المقبلة في البيت الأبيض إعادة تقييم علاقاتها وتعميق التزاماتها مع العراق والإمارات اللتين تؤثران على الأمن الإقليمي بنحوٍ فعال وحريصتين على إنشاء علاقات وثيقة مع الولايات المتحدة.