سباستيان سونز،توبي مثيسن

لم يمض سوى شهرين فقط من تسنّم ملك السعودية سلمان منصبه حتى شن حملة عسكرية في اليمن، التي تعد إحدى أكبر المغامرات في السياسة الخارجية في تأريخ المملكة المعاصر، ويراد من ذلك التدخل سحق حركة الحوثيين، وإعادة تنصيب رئيس اليمن عبد ربه منصور هادي .

وليس من المدهش أن يتم التسويق لهذه الحرب بشكل إيجابي للغاية في الإعلام السعودي؛ نظرًا لكونه إعلامًا مُوجَّهًا، إذ طالما عملت وسائل الإعلام السعودية -تأريخيًّا- بوصفها أداة للدولة، تعمل على بث الروح الوطنية وأيديولوجية الدولة. وعلى الرغم من كون وسائل الإعلام -تقليديًا- مملوكةً للقطاع الخاص إلا أن مالكي هذه المؤسسات هم جزء من العائلة الملكية أو ممن لهم علاقات وثيقة معهم.

ونحوٍ عام سوّقت وسائل الإعلام السعودية حجتين رئيستين لتبريرها الحرب على اليمن؛ فمن جهة عدت ذلك التدخل ضروريًا للغاية من أجل الدفاع عن مصالح المملكة، وتماشيًا مع ذلك فقد روج كل من في داخل المملكة -وكذلك الحال بالنسبة للإعلام الدولي وممثلي السعودية الرسميين بما فيهم السياسيون والسفراء والصحفيون- للحرب وكأنها دفاع عن النفس ضد عدو خارجي (الحوثيين). ومن جهة أخرى تم الترويج للحرب على أنها التزام ديني وواجب مقدس وكان المستهدف من تلك الرسالة الجمهور العربي في المقام الأول، واعتمدت السعودية تلك الحجج على اللغة الطائفية، وتم التركيز على الحوثيين بوصفهم أعضاء في المذهب الزيدي، كفرع من الإسلام الشيعي، وتحالفهم مع إيران، ولم تقتصر الحج على ذلك فحسب إلّا أن ما تم ذكره يعدُّ جزءًا محوريًا للتدخل العسكري بقيادة السعودية، وهو تنم عن استراتيجية إعلامية كما هو الحال بالنسبة إلى التكتيكات العسكرية.

استراتيجية جديدة (غير مألوفة): الدفاع عن المصالح القومية بالوسائل العسكرية:

إن الاعتقاد بأن المملكة العربية السعودية تستطيع الدفاع عن مصالحها في اليمن من خلال التدخل العسكري فقط هو اعتقاد غير مألوف، بل هو جزء من عملية إعادة التفكير في السياسة الخارجية السعودية التي أخذت ملامحها تتشكل في أعقاب انتفاضات عام 2011 واكتسب زخماً إضافياً بعد صعود الملك سلمان وابنه محمد إلى الحكم في العام 2015.

في العقود الماضية الأخيرة تبنت السعودية منهجاً غير مباشرٍ للتدخل في الشؤون اليمنية، التي ارتكزت إلى دبلوماسية البترو دولار التي مؤداها استخدام النقود؛ من أجل استمالة المعارضين السياسيين، والتوسُّط في الصراعات مع ذلك كانت هناك بعض الاستثناءات لهذه القاعدة، ففي الحرب الأهلية اليمنية في ستينيات القرن الماضي، دعمت السعودية الملكيين والمدافعين عن (الإمام) عسكرياً شمال اليمن، بعدها تم الإطاحة بالعائلة الحاكمة وتنحيتها من قبل الحركة الجمهورية، والمفارقة أن هؤلاء الملكيين كانوا زيديين مثلهم مثل الحوثيين. وفي الحقبة اللاحقة ولاسيما في سبعينيات القرن الماضي حيث دعمت المملكة العربية السعودية أعداء الماركسية في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية التي حكمت جنوب اليمن للمدة1967 حتى عام 1990.

منذ توحيد اليمن في العام 1990 دافع ملوك السعودية عن مصالح بلدهم في اليمن من خلال دبلوماسية (الشيكات) وعلى الرغم من أن النقود السعودية لم تؤدِ دائماً الى النتائج المرجوة  إلّا أن المساعدات المالية كانت وسيلة فاعلة نسبياً في الحفاظ على النفوذ السعودي في اليمن من دون الحاجة إلى التدخل العسكري الفعلي .

المصالح  السعودية في الحرب على اليمن:

إن المصالح الأكثر إلحاحاً للمملكة العربية السعودية في الصراع الدائر في اليمن -كما يرى العديد من المحللين- تنطوي على مواجهة الحوثيين والقضاء على النفوذ الإيراني المزعوم هناك؛ إذ إن القيادة السعودية الحالية ترى نفسها بأنها تخوض تنافساً ملحمياً مع إيران بدأ مع الثورة الإيرانية 1979، إلا أنه أخذ منحى متصاعداً مع غزو العراق في العام،  2003ومع تصاعد الطائفية في أعقاب الثورات العربية بعد2011  ، وعلى الرغم من أن للسعودية العديد من المصالح الاستراتيجية الأخرى للتدخل في اليمن إلا أن الإعلام السعودي دأب على تحقيق الأهداف الآتية.

أولا: إن الملك سليمان أراد أن يقدم نفسه وابنه محمد – وزير الدفاع وولي العهد – كصانعي قرار قويينِ، وقد ساعد الإعلام السعودي على تحقيق هذه الهدف ولاسيما مع التقارير الإيجابية الداعمة للتدخل، إذ تمت الإشادة بسلمان وابنه من قبل الصحفيين والمسؤولين في الدولة؛ لقيامهما بالضربات الاستباقية في اليمن؛ من أجل حماية استقرار المملكة، والأمة بكاملها، والشعب السعودي، وقد ركزت وسائل الإعلام في قوة الرجلين في قيادة السعودية خلال الأوقات العصيبة، ولاسيما ولي العهد محمد بن سلمان الذي عرفته وسائل الإعلام السعودية على أنه قائد حقيقي للقوات المسلحة من خلال نشر صور وفيديوهات له برفقة مستشاريه العسكريين التي صورته كشخصية قوية.

ثانيا: اعتقد سلمان وحلفاؤه بأن حرب اليمن كانت ضرورية؛ لتفادي المزيد من زعزعة الاستقرار في المنطقة والمملكة على نحو الخصوص، وقد ركز الخطاب الرسمي في وسائل الإعلام الذي تسيطر عليه الدولة بنحوٍ كبير على هذا الاعتقاد المزعوم، فقد أوضح فيصل الشمري -الذي يعمل في السفارة السعودية في واشنطن- بقوله: “هل ستكون الولايات المتحدة  -على سبيل المثال- غير مبالية فيما لو أخذت المكسيك فجأة منحى مماثلاً لذلك الذي في اليمن، وبدأت بإيصال الأسلحة الفتاكة من صواريخ كروز والصواريخ الباليستية إلى الحدود مع الولايات المتحدة، وتسليح الجهات الفاعلة غير الحكومية؛ الأمر الذي سيشكل خطراً ليس على الولايات المتحدة فحسب بل على المواطنين الذي يعيشون على المناطق الحدودية مباشرة”.

ثالثا: إن القيادة السعودية الجديدة تأمل توليد زخم من الوطنية؛ من أجل “التحشيد حول العلم” “rally-around-the-flag”[1] من طريق شن حرب على عدو خارجي، وقد شاد الإعلام السعودي من جهته بدور الجيش في قتال (الأعداء). وعلى الرغم من أن الضربات الجوية  السعودية لم تؤد إلى نجاحات عسكرية واسعة النطاق ضد الحوثيين إلا أن وسائل الإعلام السعودية ترى أن تلك الضربات حققت مكاسب إقليمية.

رابعا: الانتشار الواسع للتغطية الإعلامية ساعد الحكومة على صرف الأنظار بعيداً عن المشاكل الداخلية للمملكة، بما فيها التحديات الاقتصادية – الاجتماعية الناجمة عن تراجع أو انخفاض أسعار النفط، وتصاعد البطالة، وتزايد خطر قيام داعش بهجمات إرهابية على الأرض السعودية، وقد ساهم أيضاً بإلقاء اللائمة على الحوثيين وإيران في زعزعة الاستقرار في اليمن، فقد بالغت وسائل الإعلام السعودية بأهمية الحملة العسكرية على اليمن من أجل توحيد الشعب السعودي ولاسيما في وقت المشكلات الاقتصادية والاجتماعية، وحركات التمرد المسلحة، وكذلك انخفاض أسعار النفط .

خامسا: أعطت الحرب على اليمن فرصة للحكومة السعودية من أجل تقديم نفسها على أنها (فاعل خير)، فقد روجت وسائل الإعلام السعودية للتدخل على أنه لمساعدة الشعب اليمني الذي هو بحاجة إلى مساعدة السعودية، ففي أيلول / سبتمبر2015  نشرت الصحيفة السعودية الموالية للدولة الصادرة باللغة الإنجليزية “سعودي جازيت” قصة عن مظاهرة مؤيدة للملك قام بها الأمريكيون من أصل يمني خلال زيارة الملك السعودي سلمان التي تضمنت يفاطات تحمل عنوان (شكراً لدعم سلمان) وبالمثل أيضاً في آذار / مارس 2016 ذكرت الصحافة السعودية أن هناك منشورات مؤيدة للسعودية يزعم أنها وزعت في صنعاء، وهو أمر غريب! وإذا كانت صحيحة فهذه المنشورات وُزِّعت منذ أن كانت المدينة تحت سيطرة قوات الحوثيين وقوات صالح.

الصحافة السعودية وانتقادات الإعلام الدولي:   

منذ السنة الأولى للحرب في اليمن، قتل أكثر من 9000 مواطن بضمنهم3200  مدني أغلبهم من طريق الغارات الجوية السعودية، وتفيد تقارير الأمم المتحدة في كانون الثاني / يناير من تلك السنة أن ما يصل إلى 199 طلعة جوية من طلعات التحالف سجلت خروقات لقوانين الحرب بالتساوق مع ارتفاع عدد الضحايا؛ الأمر الذي أثار انتقادات واسعة من قبل وسائل الإعلام الدولية التي دعت إلى تغيير التكتيكات العسكرية السعودية ووضع حدٍ للصراع.

من جهته رفض الإعلام السعودي تلك الانتقادات، ولتسويق منطق أفضل ظهر مقال في الجريدة الرسمية السعودية الناطقة بالإنجليزية (سعودي جازيت) يؤكد على إن هناك “أطرافاً خارجية تحاول التحريض على الثورة ضد القيادة السعودية من خلال حسابات مزيفة في وسائل التواصل الاجتماعي تحت أسماء سعودية وكذلك تلفيق المعلومات”.

وقد واجهت الصحافة السعودية الانتقادات الدولية في جانب منها من خلال الإشارة إلى ما يسمى (بجهود المملكة) لمساعدة الشعب اليمني، بضمنها مؤسسة مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية، الذي يوفر الدعم الإنساني والطبي إلى اليمنيين، كتوفير الغذاء والأدوية وغيرها من خلال 28 برنامجاً، بإشراف الأمم المتحدة، والمنظمات الوطنية والدولية، وهذه التبرعات المالية المقدمة من لدن المركز إلى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR) طالما تمت تغطيتها بانتظام من قبل الصحافة السعودية.

وبغض الطرف عن أوجه معينة من الصراع فإن الإعلام السعودي حاول النأي بالحكومة أو عزلها عن الانتقادات الدولية، فالصحفيون والكتاب على دراية بالخطوط الحمر التي لايجوز لهم تجاوزها، كتلك المتعلقة بالقرارات السياسية للعائلة الحاكمة ورجال الدين، ونتيجة لذلك؛ فإن الرقابة الذاتية أدت دوراً مهماً في حملات الرأي العام السعودي الداعم للتدخل .

يُقدّرُ معدلُ الكلفة الإجمالية للحرب في اليمن ما بين 50 إلى 70 مليار دولار في العام 2015، إلَّا أنّ الصحافة السعودية تجاهلت تلك الحقائق -على الرغم من أنها ساهمت وبنحوٍ رئيس في العجز بموازنة المملكة في العام 2015- فتغطية كلفة الحرب هي إحدى الخطوط الحمر للإعلام السعودي، كونها تضر بسمعة الملك سلمان والسلطة.

إن التهديد المتزايد من الجماعات الإرهابية -ولو في جانب منه- في اليمن جاء نتيجة للتدخل العسكري وهو أيضاً قد تم تجاهله على نحو مماثل من قبل الإعلام السعودي، وفي الوقت الذي أوضحت فيه الأنباء السعودية عن وجود داعش في البلاد -ولاسيما بعد وقوع عدة هجمات إرهابية حصلت في المنطقة الشرقية منذ أواخر عام 2014 فصاعداً- غضت وسائل الإعلام الطرف عن تنظيم القاعدة (القاعدة في جزيرة العرب) الذي أخذ بالتوسع في اليمن، وهذا حصل بفضل فراغ السلطة التي خلفته الحملة العسكرية السعودية؛ الأمر الذي مكّن تنظيم القاعدة في جزيرة العرب من السيطرة على مختلف المدن الجنوبية في اليمن بضمنها مدينة المكلا إذ استفادت الجماعة من المشاعر المناهضة للحوثيين هناك.

بعد شن الحرب على اليمن دشنت الحكومة السعودية الجديدة حملة علاقات عامة في وسائل الإعلام الدولية من قبل بعض من كبريات شركات العلاقات العامة في العالم، فالصحف الأوروبية مثل التلغراف في المملكة المتحدة، وصحيفة فرانكفورتر العامة في ألمانيا، وغيرها نشرت مقابلات أو مقالات من مسؤولين في السعودية حاولوا إضفاء الشرعية على الحملة في اليمن، فقد ذَكرَت صحيفة فرانكفورتر العامة أن السفارة السعودية في ألمانيا دعمت إعلاناً مدفوع الثمن من أجل الترويج إلى السياسة الخارجية الجديدة للمملكة، وقد قام ولي العهد محمد بن سلمان أيضا بعددٍ من المقابلات في مختلف وكلات الأنباء الدولية من أجل تعزيز مكانته على الساحة الدولية والدفاع عن السياسات الخارجية والاقتصادية للسعودية.

وكجزء من استراتيجية حملة العلاقات العامة الدولية فإن السعودية وصفت الحرب بنحوٍ مختلف وسائل الإعلام السعودية باللغة العربية والإنجليزية، فالصحف السعودية الصادرة باللغة الإنجليزية مثل (الأخبار العربية) و(سعودي جازيت) -التي هي موجهة بالأساس إلى الأجانب المقيمين داخل المملكة وخارجها- تحاشت الخوض في الحجج الأيديولوجية والدينية من أجل شرعنة أو إضفاء الشرعية على الحرب في اليمن، بل عوضاً عن ذلك ركزت في الأبعاد السياسية والأمنية، لكن على النقيض من ذلك فقد كانت وسائل الإعلام العربية مليئة بالطروحات الدينية والطائفية والأيديولوجية.

إضفاء الشرعية (شرعنة) على الحرب محليًا: الأيديولوجية والطائفية:

 دُعِمَت الحرب في المملكة من قبل شريحة واسعة من الشخصيات الدينية، فقد وصف مفتي السعودية عبد العزيز آل الشيخ الحرب بأنها جزء من الجهود الرامية إلى وقف التمدد الصفوي في المنطقة، أما إمام المسجد الحرام  في مكة ورئيس مجلس الشورى السعودي صالح بن حميد فهو الآخر قد دعم الحرب وأظهر فيديو في وسائل التواصل الاجتماعي إطلاق صاروخ من قبل بن حميد على مواقع الحوثيين من الحدود الجنوبية للسعودية وسط صيحات (الله اكبر)،  أما عبد الرحمن السديس -وهو من رجال الدين البارزين وهو إمام المسجد الحرام في مكة- فقد ذهب إلى أبعد من ذلك إذ قال إنَّ الحرب مع إيران لا تتحدد باليمن، بل هي حرب دينية بين السنة والشيعة.

ماذا يخبئ المستقبل؟

بذلت المملكة العربية السعودية جهوداً كبيرة من أجل حشد شعبها لدعم حرب اليمن، فبعد أكثر من سنة منذ بدء الحملة العسكرية ظل خطاب الإعلام الرسمي العنصر الأهم في دعاية الحكومة السعودية، إذ صنفت المملكة نفسها بوصفها لاعباً أساسياً في المنطقة وجعلت من حرب اليمن محوراً تستند إليه في موقعها الجديد في المنطقة، في الوقت الذي عملت فيه الاستراتيجية الدعائية والحلفاء الرئيسيون في الغرب -مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة- على استمرار دعم الحرب إلا أنه باتت من الصعوبة إمكانية الحفاظ على الدعاية الإعلامية مع طول أمد الصراع  الذي خلّف عدداً كبيراً من الضحايا في اليمن.


سباستيان سونز: زميل في الجمعية الألمانية للسياسة الخارجية.

توبي مثيسن: من كبار باحثي العلاقات الدولية في الشرق الأوسط في كلية سانت أنتوني في جامعة أكسفورد.


ملاحظة :
هذه الترجمة طبقاً للمقال الأصلي الموجود في المصدر ادناه ، والمركز غير مسؤول عن المحتوى ، بما فيها المسميات والمصطلحات المذكوره في المتن .

المصدر :

http://muftah.org/yemen-war-saudi-media/#.V5XsM_lTLIX

[1] – وهو مصطلح استخدم في علم السياسة في العلاقات الدولية لتوصيف الدعم الذي يبديه المواطنون الأمريكيون للرئيس في أوقات الأزمات الدولية، أو في الحرب؛ لأن ذلك يفضي إلى تخفيف حدة الانتقادات للسياسات الحكومية.