ان تــــزايد اعداد خريجي الدراسة الإعداديـــة  لم يقترن معه أي مؤشر لجودة هذه الاعداد من ناحية الرصانة العلمية او التربوية او الثقافية او الإبداعية لتلك الكوادر. لذلك وفي ضــــوء ارتفاع اعداد خريجي الاعداديات اعدت وزارة التعليم العالي خطة لاستيعاب تلك الاعداد باستحداث مجموعة من الكليات الحكومية والموافقة على استحداث مجموعة من الجامعات والكليات الخاصة او الاهلية، ولكن السؤال هنا كيف سيكون حال هذه الجامعات الحكومية والخاصة   في ظل الكثير من الارهاصات والمعوقات وتدخل المستفيدين في محاولاتهم لخرق القوانين والتعليمات والضوابط لأجل مصالحهم الخاصة او لأجندات معينة؟

ان المستلزمات والبنية التحتية المصممة، لبعض المؤسسات التعليمية، لخطة القبول اقل مما هو عليه واقع الحال ، سواء على مستوى اعداد الهيئة التدريسية وقابلياتهم او على مهنية واعداد الكوادر الخدمية او على مستوى استيعابية قاعات المحاضرات والمختبرات والمكتبات  او المرافق المساندة  مثل الساحات الرياضية والساحات الخضراء والفضاءات بين القاعات الدراسية او الأدوات المخصصة للنشاطات اللامنهجية او اللاصفية، خاصة ونحن نمر في ظروف اقتصادية وامنية استثنائية. وبالرغم من الكثير من التحديات بدأت الوزارة باتخاذ الكثير من الخطوات لتحسين وجودة مخرجات الجامعات ولكنها تتعرض في بعض الاحيان للنقد اللاذع من البعض، ومعظمهم جزء من المنظومة التعليمية، ولكن للأسف، هم من المعرقلين لخطوات الترصين ، وكما هو الحال لمخرجات وزارة التربية ، اذا كيف يتم الارتقاء بالتعليم العالي في ضوء كل هذه التساؤلات ؟

ان الارتقــــاء بالتعليم العالي والبحث العلمي وبيئة التعليم برمته أصبح ضرورة من اجل تغيير مخرجات التعليم وتطويرها وبما يلائم حاجة المجتمع والسوق. ان هذه المهمة تقع على عاتق الجميع ولا تتحملها وزارة التعليم العالي والبحث العلمي او المديريات والاقسام التابعة لها فحسب بل ستتحملها الجامعات واساتذتها وطلابها عندما تكون لديهم استراتيجية مرسومة وواضحة بالإضافة للسياسة التي تضعها الوزارة مع الاستعانة بالحكومات المحلية في المحافظات كون الجامعات تساهم في عملية التنمية البشرية في المحافظة. لذا اصبح من الواجب اختيار عضو مجلس المحافظة، بكل دقة وموضوعية ،كونه المنسق مع مؤسسات التعليم العالي ويفضل ان يكون من الاكاديميين التربويين المعروفين بنزاهتهم ومن المخلصين والحريصين على مصلحة الجامعة وابناءها وطلبتها واساتذتها، حيث ظهر ان بعضهم ممن يعتبر نفسه ليس فقط الرقيب وانما الموجه والامر الناهي ويحاول ان يتدخل بجميع خطوات الجامعة وبعضهم ظهر انه ذو  اجندات وحقد على الجامعة كونه كان عضو هيئة تدريس فاشل او ذو تاريخ مهني او علمي سيء، لذا فان دعم الجامعة من الحكومة المحلية يعتبر من الضروريات ولا يمكن الارتقاء بها دون ان يقوم كل طرف بدوره على اكمل وجه.

نحن نعرف ان التغيير والتطوير المستمر ومتابعة المستجدات العلمية واعتمادها هو احد معايير جودة التعليم العالي التي لا تقوم به الوزارة دون الجامعات وكوادرها الاكاديمية والمساندة لها والعناصر المؤهلة والمتميزة في المجتمع والتي اشير لها بالاستراتيجية الوطنية للتربية والتعليم (2012-2022) التي وضعت لقطاع التربية والتعليم واطلقت بداية عام 2013.  لقد تم الإعلان والتثقيف لها وهي امام انظار الجميع والمطلوب البدأ بالتطبيق ولكن من سيطبق هذه الاستراتيجية؟ وهل تم البدأ بالتطبيق ونحن في عام 2016؟ ومن يبدأ التطبيق الوزارة ام الجامعات؟ صحيح ان بعض الخطوات قد اتخذت، ولكنها خجولة ولا ترتقي للجهود والاموال التي بذلت من قبل المؤسسات التي شاركت في اعدادها كاليونسكو واليونيسف والبنك الدولي ووزارات المالية والتخطيط. الجميع شركاء في التطبيق غير ان العنصر المهم والمعول عليه في عملية التطبيق هي إدارات الجامعات والتدريسيين الذين لم يظهروا او يمثلوا بأعداد مناسبة في ورش وندوات اعداد وإطلاق الاستراتيجية للاطلاع على آرائهم وكذلك في الورش التي نظمت في بعض الجامعات عند الاطلاق لاعتماد مبدأ التغذية الراجعة او العكسية. لذا ان المطلوب هو توجيه الجامعات لوضع خططهم واستراتيجياتهم بالاعتماد على الاستراتيجية الوطنية للتربية والتعليم ووضع الاستراتيجية بأيادي التدريسيين ويطلب منهم الشروع بما يمكن تطبيقه، وتوثيق الخطوات المنفذة من قبل الجامعات، وتقديم كل خبراتهم وتجاربهم وعلمهم للارتقاء بالعملية الاكاديمية لتخرج أجيال مسلحة بالعلم والمعرفة. ولكن كيف يتم هذا في ظل التزايد بأعداد الجامعات الحديثة الخاصة وما هي الطريقة لأقناع تدريسيين ذوي خبرة وكبار بأهميتهم في حياة التعليم العالي اذا ما شعروا انهم مغيبون عن مناقشة تلك الاستراتيجيات.

نعم على التعليم العالي ان يتخذ الخطوات السريعة والحازمة واتخاذ القرارات في قضايا ذات تأثير مباشر في عملية البناء والإصلاح والتغيير والترصين لتخريج نوعية متميزة في تخصصاتها، وأول هذه القضايا وضع معايير واسس خاصة لمقاييس جودة التعليم العالي العراقي، وليكن أحد هذه الاسس هو وضع معيار للتميز في القبول لطلبة القرى والارياف وأبناء العوائل المحرومة وبضوابط تختلف عن طلبة المدن الكبيرة. وثانيها الحث والعمل والتهيئة الحقيقية للأكاديميين في الجامعات العراقية يان يكونوا تدريسين باحثين والزامهم بوضع الخطط البحثية الهادفة علميا لحل مشاكل العراق والمجتمع العراقي. وهذا يعني ان التحديات كبيرة وتحتاج الى مساحات واسعة ومباني بمواصفات خاصة وأعضاء هيئة تدريس بأعداد تتناسب مع اعداد الطلبة. ولهذا فأننا نجد ان اعتماد التعليم المدمج، التعليم التقليدي والالكتروني، للتخصصات النادرة والحديثة مع وضع معايير صارمة اضافة الى تحسين البيئة الجامعية كي تنعكس نتائجها وثمارها على العملية الاكاديمية برمتها.

ان العمل في بيئة اكاديمية مريحة يسمع فيها رأي الأستاذ ويستشار عبر قنوات مفتوحة ودون تعقيدات بيروقراطية وتجاوزات إدارية لابد ان ينعكس على الطلبة والأساتذة والجامعة مهما كان حجم العمل او عدد الطلبة. وحتى نصل الى التميز لابد من إيجاد اليات تقوي الروابط العلمية مع الكفاءات العراقية في الخارج ومراكز البحوث العالمية والاتصال بالجامعات الرصينة وذات الجودة العالية واعتماد بعض معايير تدويل الجامعة لتطوير المراكز العلمية المتخصصة الموجودة في الجامعة. وكما ان تشجيع البحث والابتكار وتوفير الحوافز المادية والمعنوية والجوائز للبحوث المتميزة في مختلف المجالات العلمية والبحثية وتوفير المستلزمات للنشاطات اللامنهجية للطالب يعمل على التقليل من الاحتكاك غير الإيجابي بين الطلبة وعلى  تشجيع العطاء ومكافأته ووضع تصورات ومعادلات تنظيم العبء التدريسي والاعداد الكبيرة التي تعانيها الشعب التدريسية حتى تخرج المعادلة التدريسية ضمن الشروط الصحيحة التي تحافظ على تميز الجامعة، مع تحديث الخطط الدراسية والخروج عن نمطها التقليدي ووضع خطط تحقق اهداف واضحة ومحددة ، إضافة الى قضايا البحث العلمي التي يجب ان تصب في مصلحة الارتقاء بالمستوى النوعي للتعليم العالي وترسيخ فكرة ان الجامعات هي العقل  المفكر للدول في جميع المجالات .