أعلنت الحكومة السعودية بأنها بصدد إجراء مناورات عسكرية ضخمة على أراضيها بمشاركة 20 بلداً. وعلى الرغم من التضخيم الإعلامي للمناورات التي وصفتها وسائل إعلام سعودية بأنها الأضخم في المنطقة، إلا أن مراقبين ينظرون إلى هذه المناورات بعيون ملؤها التشكيك حول مستوى هذه المناورات، والأسباب التي تتحرك في أفقها مع تداخلها مع أبعاد سياسية داخلية وخارجية في العربية السعودية.

رعد الشمال

سبق الإعلان عن المناورات التي أطلق عليها “رعد الشمال” تحركات دبلوماسية مهمة، أولها كان الإعلان عن تشكيل تحالف إسلامي بقيادة سعودية لمحاربة “الإرهاب” في 2015/12/15  الذي قيل أن 34 بلداً اسلامياً انضم اليه. ومع استمرار الحملة العسكرية السعودية في اليمن التي ستدخل شهرها الحادي عشر في الأسبوع القادم. فقد أعلنت الحكومة السعودية عزمها على ارسال قوات برية الى سوريا “لمحاربة تنظيم داعش.” حسب تصريحات أطلقها المستشار العسكري لوزير الدفاع، وولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في 2016/2/8، وتم التأكيد عليها عدة مرات من قبله ومن قبل مسؤولين سعوديين آخرين. فيما توالت تصريحات رئيس الدبلوماسية السعودية، عادل الجبير عن سعي بلاده لاسقاط نظام بشار الأسد، وتحجيم النفوذ الايراني في المنطقة، بعد انهيار محادثات جنيف في 2016/2/2.

يمكن الربط بين المناورات العسكرية التي يبدو أن اختيار موقع انطلاقها الذي يبعد 72 كيلومترا عن الحدود العراقية له دلالته الخاصة.  وليست هذه المرة الأولى التي تنطلق فيها مناورات سعودية من منطقة حفر الباطن، فقد أجريت مناورات عسكرية سميت بـ”سيف عبدالله” وصفت بأنها ضخمة على طول الحدود العراقية-السعودية بالتزامن مع إجراء الانتخابات البرلمانية العراقية في نيسان 2014.

يلاحظ أيضاً أن العربية السعودية بدت حريصة على ابراز مشاركة أكبر عدد ممكن من البلدان في المناورات. وذكرت وسائل أنباء نقلاً عن مصادر سعودية معنية بأن 20 بلداً ستشارك في المناورات التي تذكر تلك المصادر أنها ستضم 350 ألف عنصر، و2540 مقاتلة حربية، و20 ألف دبابة[1]. وتضم البلدان المشاركة بالاضافة الى العربية السعودية، الامارات العربية المتحدة، البحرين، الأردن، السنغال، السودان، مصر، باكستان، بالاضافة إلى المالديف، تونس، جزر القمر وجيبوتي. وعلى الرغم من المبالغة في وصف هذه المناورات، التي وصفها الإعلام السعودي بأنها “الأضخم في تاريخ المنطقة”، إلا أن محللين عسكريين قللوا من أهميتها، نظراً لأن أغلب البلدان المشاركة ستشارك بقوات رمزية. فتونس على سبيل المثال ستشارك بصفة ملاحظ وبضابطين اثنين فقط، حسب الناطق الرسمي باسم وزارة الدفاع التونسية. كما ينظر بكثير من الشك الى القدرات العسكرية البرية للقوات المشاركة، ومدى ملاءمتها للقتال ضمن تشكيلات برية تقودها العربية السعودية في المستقبل. فمصر على سبيل المثال لديها اولوياتها الخاصة في تحريك جيوشها، وهي لا تنسجم كثيراً مع النهج السعودي الذي يتحرك في اسقاط نظام بشار الأسد، والتعاطي مع التدخل الروسي في سوريا. وقد رفضت مصر في وقت سابق ارسال قوات برية ضمن التدخل السعودي في اليمن. يضاف إلى ذلك فإن الباكستانيين هم الآخرين لا يبدو عليهم الحماس للتدخل ضمن أية عمليات عسكرية برية تقودها السعودية سواء في اليمن أو في مناطق أخرى. وتبقى العربية السعودية في وضع تحاول من خلاله استعراض قوتها ونفوذها في المنطقة عبر قوتها العسكرية، وسط أزمات تعيشها، جعلتها تخسر الكثير من نفوذها فيها. ويبدو أن عدم مشاركة تركيا في هذه المناورات أعطت انطباعاً بأن للأتراك حسابات واعتبارات سياسية خاصة بهم.

فرص تشكل حلف سعودي-تركي

في مبادرة تتحرك في الأجواء السياسية المحمومة في المنطقة، فقد أصدر ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن نايف توجيهاً في 2016/2/16 بأن تتقيد امارات المناطق السعودية بالسماح بدخول الشركات التركية الى السوق السعودية[2]. ويبدو أن نشر مثل هذا التوجيه في الاعلام السعودي له مغزاه. إذ أن العربية السعودية تحاول بشكل واضح استقطاب ما يمكن استقطابه من قوى اقليمية لدعم توجهاتها الاقتحامية ذات الصبغة العسكرية في المنطقة. وتدرك العربية السعودية أنها لا تستطيع ولأسباب متعددة أن تتحرك لوحدها لبسط نفوذها أو المحافظة عليه في المنطقة. ويبدو أن العربية السعودية ولأسباب ضعف موضوعية تتعلق بقدراتها القتالية لا التسليحية، ولأسباب جيوسياسية تضع نصب عينيها على قوى اقليمية قوية ومؤثرة كمصر وتركيا وباكستان في أن تكون في حلفها “الاسلامي” الجديد الذي يتحرك وفق قيادة العالم الاسلامي السني ضد ايران وحلفائها بالدرجة الأولى. بشكل عام فإن السعوديين باتوا يراهنون وبشكل متزايد على تشكيل حلف عسكري-سياسي مع الأتراك وفق رؤية مفادها الاشتراك في هدف التخلص من نظام بشار الأسد مرحلياً على الأقل. ولكن تشكل مثل هذا الحلف –إن كتب له التشكل- يواجه عقبات كبيرة، ويحمل في داخله أجندات ومصالح متصارعة ومتناقضة كما هو حال التحالف السعودي القائم حالياً.

هنالك مؤشرات على تنامي التعاون السعودي-التركي في الشأن السوري. وعلى الرغم من تباين المصالح السعودية والتركية في الأزمة السورية، إلا أن البلدين يتفقان على هدف مرحلي يتعلق بالقضاء على نظام بشار الأسد. ووسط التعقيدات الأمنية والسياسية التي تشهدها المنطقة، فإن هذا الهدف المشترك يبدو أنه غير سهل التحقيق في هذه المرحلة بالذات. فالحرب الأهلية السورية معقدة إلى درجة أنها لا تمثل حرباً بين طرفي صراع، بقدر ما تتعلق بصراع بين أطراف كثيرة ومتعددة تتقاتل بالوكالة، وهي حرب لن يكون من السهل الخروج منها دون خسائر. ولا يعرف على وجه التحديد معالم الاستراتيجية السعودية في التدخل العسكري البري المباشر في الحرب الأهلية السورية. وما إذا كانت العربية السعودية قد قررت فعلياً التحول من الحروب بالوكالة إلى الحروب المباشرة، كما حصل في اليمن على سبيل المثال. وعلى الرغم من أن النوايا السعودية في التدخل البري تنتظر من يحققها على الأرض، إلا أن السعوديين فيما يبدو ما يزالون يتوجسون الحذر في الدخول في المستنقع السوري بمفردهم. ووفقاً لخبراء عسكريين فإن العربية السعودية ستحاول على الأرجح نشر بعض قواتها الخاصة، وطائرات مقاتلة وبعض القوات البرية. ولكن عديد هذه القوات لن يتخطى 3500 عنصر قتالي و 6500 عنصر مساندة[3].  وعلى الرغم من أن العربية السعودية منضوية رسمياً تحت تحالف دولي تقوده الولايات المتحدة ضد تنظيم داعش، تم إنشاؤه في ايلول/ سبتمبر عام 2014.  إلا أن طبيعة وحجم العمليات الجوية التي تقوم بها قواتها الجوية ضد داعش ضمن التحالف كانت مثار تساؤل، إذ يذكر تقرير رسمي أميركي أن الدور السعودي في التحالف تمثل فقط في تدريب قوات معارضة سورية فقط[4]. ويبدو أن السعوديين كانوا يركزون على تدريب قوات معارضة موالية لهم في الحرب الأهلية السورية. ويأتي الموقف السعودي بارسال قوات برية الى سوريا لمقاتلة تنظيم داعش وسط توتر سعودي حيال الأوضاع في سوريا والمنطقة، ووسط فشل واضح للقوى السورية التي تقاتل بالوكالة عن الرياض. ويذكرنا موقف الرياض الذي يستغل محاربة تنظيم داعش لأغراض سياسية بموقف أنقرة أثناء الانتخابات التشريعية، عندما قررت “محاربة داعش” ولكن عنوان محاربة داعش كان يعني فعلياً محاربة الأكراد. فالرياض لا ترغب بمحاربة تنظيم داعش في سوريا، قدر رغبتها بمحاربة قوات النظام السوري وحلفاء ايران في سوريا من أجل انهاء وضع نظام بشار الأسد في دمشق. وهكذا أصبح تنظيم داعش العنوان الذي يستتر تحته كل الفرقاء في الحرب الأهلية السورية لتبرير تدخلهم من أجل مصالحهم.

تباين المصالح بين تركيا والعربية السعودية في الأزمة السورية يحمل في طياته الكثير من المخاطر. فعلى الرغم من اشتراك الطرفين في هدف اسقاط النظام السوري، ومحاولات العربية السعودية التقارب من حكومة اردوغان بوسائل شتى، إلا أن تبايناً واضحاً في سياسة كل منهما تجاه المنطقة، وطبيعة مصالحهما يجعلهما كطرفي نقيض على المدى المتوسط. ويتمثل تباين المصالح بين السعوديين والأتراك الذي لا يمكن أن يبني تحالفاً مستقراً أو مستداماً بالجوانب التالية:

  1. صراع على قيادة العالم الاسلامي السني. فالأتراك تحت قيادة حزب العدالة والتنمية لديهم خطط طموحة في جعل تركيا قائدة للعالم الإسلامي وفق مشروعهم الذي يعتبر نجاحهم في حكم تركيا كمرتكز لتوسعهم السياسي والثقافي في العالم الاسلامي ووفق منظور تاريخي يستلهم من الامبراطورية العثمانية حكمها لمناطق متعددة في العالم. وهذا المنظور يتناقض مع النظرة السعودية التي تتحرك وفق معالم المذهب الوهابي، ووجود مكة والمدينة في ظل السيادة السعودية، وسيطرتها على حصة في سوق الطاقة العالمي. وبغض النظر عن مدى عدم وضوح هذا الصراع، إلا أن استقراء طبيعة سلوك البلدين في العالم الاسلامي يؤشر وبقوة على أن هذا الصراع سيأخذ وضعاً أكثر دراماتيكية في المستقبل مع احتكاك الطرفين المباشر عبر خطوط المصالح المتباينة بينهما.
  2. النظرة الى النفوذ الإيراني في المنطقة تختلف بين الأتراك والسعوديين. فالسعوديون يتحركون بشكل واضح العداء ضد الإيرانيين ونفوذهم في المنطقة، بينما يتحرك الأتراك وفق سياسة براغماتية ترتكز على مصالحهم الاقتصادية والتجارية والسياسية في علاقتهم مع الإيرانيين. ومن المستبعد أن يدخل الأتراك في صراع علني مع الإيرانيين لأسباب سياسية واستراتيجية تهم مصالحهم القومية في المنطقة.
  3. مذهبياً، فإن العربية السعودية تتبنى المذهب الحنبلي كمعتقد موجه للممارسات الدينية فيها، بما في ذلك المذهب الوهابي، بينما ينتشر المذهب الحنفي بالإضافة إلى المذاهب الصوفية بشكل واسع في المجتمع التركي. وتباين هذين المذهبين من حيث التشدد والاعتدال لا يعطي الفرصة الكافية لانفتاح الثقافتين السعودية والتركية على بعضهما البعض.
  4. اختلاف الحلفاء السياسيين للنظامين في المنطقة يؤشر بوضوح على صعوبة بناء تحالف متماسك بين البلدين. فتركيا تعد داعماً رئيساً لتنظيم الاخوان المسلمين في العالم العربي، وخصوصاً في مصر وسوريا، وتعتمد عليه في تمرير سياساتها الاقليمية. ولا يخفي الأتراك رغبتهم في تنصيب نظام حكم موال لهم في دمشق بقيادة الاخوان المسلمين. فيما تنظر العربية السعودية بنظرة ملؤها العداء تجاه التنظيم. ومن غير المتوقع أن تغير العربية السعودية نظرتها المعادية للإخوان على الرغم من التغير الشكلي في سياستها تجاههم في الوقت الراهن، التي أصبحت أقل حدية مما كانت عليه في السابق. ويأتي هذا التغير بسبب محاولتها تركيز جهودها نحو محاربة النفوذ الإيراني في المنطقة.
  5. اختلاف الأهداف في التعاطي مع الأزمة السورية. فالأتراك يهدفون –من بين أمور أخرى- إلى حماية حدودهم من تمدد النزعة الاستقلالية للأكراد في سوريا الى الداخل التركي، بينما يسعى السعوديون الى ضرب النفوذ الإيراني في سوريا والمنطقة. على الرغم من وجود مصلحة تركية في اضعاف النفوذ الايراني في المنطقة لصالحهم بالطبع.

ومع امكانية بناء مثل هذا الحلف المؤقت بين البلدين لإسقاط نظام بشار الأسد في سوريا، فإن البلدين –على الرغم من تقاربهما المحتمل- سيتصارعان في مناطق أخرى على مساحات النفوذ، بما في ذلك في سوريا. وسيرى العالم نشوء صراع من نوع جديد بين تركيا والعربية السعودية حالما تنتهي المصلحة المشتركة بينهما. خصوصاً أن الاحتكاك المباشر بينهما سينتج وفق الظروف التي ينتجها التحالف، وطبيعة الحرب الأهلية في سوريا، ومديات ضعف أو قوة أحدهما أو كليهما وسط الصراع. وتأريخياً فإن التحالفات المؤقتة التي تبنى على مصالح آنية تخلق ظروف صراعها الخاصة بين الأطراف المتحالفة نفسها. والحرب الباردة خير مثال على ذلك. ويبقى السؤال ما إذا كان من الممكن تشكيل هذا التحالف، ومدى قدرته على تغيير معادلات توازن الحرب الأهلية السورية مع وجود تحالفات دولية تعمل بشكل مباشر على الأراضي السورية، تقودها كل من موسكو وواشنطن. ومع وجود دلائل متزايدة على أن واشنطن تعارض أي تدخل عسكري مباشر لأي طرف اقليمي في الحرب الأهلية السورية[5]، فإن السعوديين والأتراك باتوا أكثر تردداً في الاعلان عن تدخل عسكري مباشر في سوريا على الرغم من وجود انزعاج سعودي-تركي تجاه الموقف الأميركي كل حسب مصالحه.

التأثير على العراق

أكد رئيس الوزراء العراقي، د. حيدر العبادي أن حكومته لا تشجع تدخل قوات سعودية وإمارايتة وتركية في سوريا. ويأتي هذا الرفض وسط مخاوف عراقية من أن يؤدي مثل هذا التدخل الى تصاعد الصراع واتساعه مما سيؤثر على العراق الذي يعتبر ارضاً هشة من وجهة نظر جيوسياسية. تأريخياً كانت العربية السعودية تعد العراق المنطقة العازلة وموقع القتال بالنيابة لحماية مصالحها ضد النفوذ الايراني في المنطقة. وينظر السعوديون الى العراق حالياً على أنه مساحة نفوذ ايرانية. ومع تواجد قوات تركية ترابط على الأراضي العراقية بحجة مقاتلة داعش فإنه من غير الواضح ما إذا كان السعوديون يؤيدون مثل هذه الخطوة، أو أنهم بصدد محاولة تقليدها، مع توجهاتهم التي تتحرك وفق استراتيجية التدخل المباشر لمواجهة ايران ونفوذها في المنطقة. ومن هذا المنطلق فإنه الضروري أن تتحرك الحكومة العراقية لفهم طبيعة السياسة السعودية تجاه العراق في ظل هذه الظروف والمتغيرات.


[1] النهار، خلال الساعات المقبلة… “رعد الشمال” يحطّ في السعودية، موناليزا فريحة، “رعد الشمال” خلال ساعات في السعودية…استعدادات مبكرة لحرب آتية؟، النهار، 8 شباط 2016.

[2] عبدالرحيم بن حسن، ولي العهد يوجه إمارات المناطق بالتعامل مع الشركات التركية، عكاظ، 16 فبراير 2016.

[3] Matthew Hedges

[4] Kathleen J. McInnis, Coalition Contributions to Countering the Islamic State, CRS, November 18, 2015.

[5] Sam Jones, Erika Solomon and Geoff Dyer, Turkey and Saudi Arabia consider Syria Intervention, The Financial Times, February 18, 2016.