بريندان سيمس ، مايكل أكسورذي ، باتريك ميلتون 

لماذا يُقدم التاريخ الحقيقي للسلام في ويستفاليا في القرن الـ17 في أوروبا نموذجاً لتحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط.

العديد مُعلقاً رأساً على عقب فوق النار، وآخرين يُطعَنون حتى الموت أو يُعذبون، و تقدم نسائهم الأشياء الثمينة لإنقاذ حياتهم، أو يحاولون الفرار. في أماكن آخرى يتم الاعتداء على النساء وانتهاك أعراضهم. في صورة أخرى فروع الشجرة منحنية الى الأسفل بسبب الجثث المعلقة، وهناك رمز ديني معروض على المعتدى عليهم كآخر شيء سيروه على الأرض، يصف التعليق الرجال الذين شُنقوا بأنهم “ثمار تعساء”.

هذا يمكن أن يمثل سوريا اليوم، ولكن الصورة من أوروبا في منتصف القرن 17 في ذروة حرب الثلاثين عاما. إن الفنان الذي سجل هذه الفظائع هو جاك كايو، الذي رأى الجيش الفرنسي يغزو ويحتل لورين عام 1633، وربما كان يمثل أقرب شيء في وقته لمصور صحفي.

يتم الاستشهاد بحرب الثلاثين عاماً، الذي مثل احتلال لورين فيها مجرد حلقة قصيرة، في المناقشات الجديدة في الشرق الأوسط من خلال مجموعة من ممارسي السياسة الخارجية بما في ذلك هنري كيسنجر ورئيس المجلس الأمريكي للعلاقات الخارجية ريتشارد هاس، وكذلك من قبل أكاديميين مثل مارتن فان كريفيلد، وصحفيين مثل أندرياس ويتام سميث. مثل حرب الثلاثين عاماً، التي كانت في الواقع سلسلة من النضالات المنفصلة ولكن مترابطة، يمثل النزاع الأخير في الشرق الأوسط القتال في اسرائيل والاراضي المحتلة ولبنان وإيران والعراق حرب طويلة ودموية، بالاضافة الى حربي الخليج والآن الحروب الأهلية في العراق وسوريا. كما هو الحال في حرب الثلاثين عاماً، اتسمت الأحداث في العراق وسوريا بالصراع الطائفي والتدخل من جانب الدول المجاورة (وبلدان بعيدة أيضا) من الذين يخوضون حروبا بالوكالة. إن حرب الثلاثين عاما والصراعات الشرق أوسطية الحالية مكلفة بشكل كبير في حياة الإنسان، وقد ظهرت معاهدة وستفاليا التي أنهت حرب الثلاثين عاما في عام 1648 أيضاً في تعليق في وقت متأخر، وعادة جنبا إلى جنب مع ملاحظة أن الأحداث الأخيرة الناجمة عن انهيار، على الأقل في أجزاء من الشرق الأوسط، أفكار سيادة الدول التي من المفترض أنها نشأت مع ويستفاليا.

ولكن هذه أسطورة، وربما سوء فهم خطير وقاتل لمعاهدات وستفاليا. أقامت أحكام المعاهدة في الواقع هيكلاً للتسوية القانونية للمنازعات داخل وخارج الدويلات الألمانية التي كانت بؤرة للصراع، وتدخل القوى الضامنة خارج المانيا لدعم التسوية السلمية، كما سنرى فأن للتاريخ الحقيقي لوستفاليا الكثير ليقوله لنا في الوقت الحاضر حول قرارات الحلول ومنع الصراعات المعقدة.

إن ألمانيا قلبٌ مزدهر للقارة اليوم، ولكن في أوائل القرن الـ17 كانت “الإمبراطورية الرومانية المقدسة للأمة الألمانية” منطقة كارثية من أوروبا، فقد كانت مجزئة سياسيا، مع أمراء وأساقفة وبلدات مختلفة، حتى ان الإمبراطورية نفسها تنافس على النفوذ بسبب الاوضاع المعقدة إلى حد كبير بسبب الخلافات الدينية بين الكاثوليك وأتباع الاشكال المختلفة من البروتستانتية. تقع الامبراطورية في وسط أوروبا، وبالتالي تعتبر منطقة مهمة لمصالح القوى العظمى وجميع الأطراف الرئيسية في النظام الدولي المتقاطع: فرنسا وهابسبورغ والسويد والعثمانيين، وحتى الانجليز الذين يعتبرونها منطقة حيوية لأمنهم، لذلك دعت ألمانيا تدخل الجيران وعدم الاستقرار الى أوروبا عندما اندلعت الحروب الدينية في الإمبراطورية عام 1618 والتي استمرت لثلاثة عقود.

محليا، فأن جذر حرب الثلاثين عام، تماماً كما هو الحال في العديد من الصراعات في منطقة الشرق الأوسط اليوم، تكمن في التعصب الديني. إن أمن الناس الذين يحكمهم حكام المعسكر الديني المنافس كثيرا ما يكون عرضة لمحاولات حكوماتهم لفرض التوحيد العقائدي. مع إنشاء المجتمعات الطائفية العابرة للحدود، وكذلك العداوات الداخلية وبين الدول الإقليمية على حدٍ سواء، أصبح الحكام على استعداد متزايد للتدخل نيابة عن الاُنَاس المشاركين للدين من الأمراء الآخرين، وهذا شيء مماثل لما يحدث في الشرق الأوسط المعاصر.

فشلت المحاولات الأولية لحل هذه المشاكل، وبعد سلسلة من الحروب التالية للإصلاح، تم إبرام السلام الديني في نظام إمبراطورية اوغسبورغ في 1555، كان هذا علامة فارقة في تطور التعايش الطائفي، لأنها تجسد للمرة الأولى اعترافا بأهمية خلق الإطر القانونية والسياسية لإدارة التعايش الديني. على الرغم من أن المعاهدة ساعدت على تعزيز السلام لسنوات عديدة، إلا انها كانت ناقصة لانها: أولاً، منحت الأمراء تسامح الآخرين فقط بين أنفسهم، وليس بين الاُنَاس الذين يعيشون في أراضيهم. أعطى “حق الاصلاح” الأمراء السلطة لفرض عقيدتهم على رعاياهم، وهذا شكل من أشكال الإكراه الديني الذي غُلف في وقت لاحق بعبارة  (“دين الأمير هو دين الإقليم “).

كان هذا الحل متمحور حول الدولة، فقد تجاهل مخاوف الناس بصرف النظر عن ضمان حقهم في الهجرة. نصت المعاهدة التي صممت جزئيا لتقويض محاولات التدخل من خلال جعل الشؤون الطائفية شأن داخلي، “لا يحق لأي دولة حماية ودرع الخطر عن رعايا دولة ما ضد حكومتهم بأي شكل من الأشكال”، وثانياً، لم تكن التسوية المتمركزة حول الدولة مُرضية بشكل متزايد لمعظم الدول البروتستانتية، لأنها كانت تحمل في ثناياه عوامل مزايا وأفضلية لهيكلية الجانب الكاثوليكي. لم يتم الاعتراف بالكالفينية وبقت بدعة بشكل رسمي، وعلاوة على ذلك بدأ الأمراء الكاثوليك الاعتماد على تصويت الأغلبية لتهميش البروتستانت في مجالس صنع القرار مثل مجلس النواب الألماني، البرلمان الألماني. حاولت الكنيسة الكاثوليكية بجهد كبير عكس آثار الإصلاح البروتستانتي من خلال الوعظ الشعبي والاصلاح المضاد، وهو المحرك الرئيسي للنظام اليسوعية. تركت هذه العوامل مجتمعة البروتستانت بشعور متزايد من الضغط، وحاول البروتستانت الأكثر تعصبا باستمرار إعادة النظر في التسوية. إن تشكيل تحالفات معادية أميرية دينية، الاتحاد البروتستانتي في 1608 والجامعة الكاثوليكية في عام 1609 كان مؤشرا على “الحرب في الأفق”، وهذا جو تميز به وسط أوروبا في مطلع القرن الـ17.

كانت الحرب الناجمة عن ذلك، تماما مثل الصراع الحالي في الشرق الأوسط ، مجموعة من الصراعات السياسية والدينية المتشابكة على الصعيدين المحلي والإقليمي. لعبت هذه الاستفزازت والتدخلات الخارجية الواسعة النطاق دورها في تفاقم وإطالة أمد الصراع، اذ لعبت الجهات الفاعلة غير الحكومية والدول شبه الحكومية أدوارا هامة في تلك الحقبة كما يفعلون الآن: تجمع شراكات من النبلاء (دول) ورجال عسكريين خاصين، الجماعات الارهابية ومنظمات الاغاثة. بدأت الحرب من خلال تمرد النبلاء البوهيميين ضد حكام هابسبورغ، وتصاعدت الى صراع طائفي أوسع نطاقا داخل الإمبراطورية، ولكنه أصبح أيضا صراعا بين الرؤى المتنافسة من أجل المستقبل السياسي في وسط أوروبا، نظام ملكي إمبراطوري مركزي ضد دستور أميري متمركز حول الدولة، ونتج هذا عن نضال هابسبورغ- بوربون طويل الأمد من أجل التفوق الاوربي.

لقد كانت حرباً مدمرة للغاية، ويمكن القول بأنها أكبر صدمة في تاريخ ألمانيا، اذ أدت إلى خسارة إجمالية تقدر بنحو 40 في المائة من السكان، اذ انخفضت اعداد السكان حوالي 20 مليون نسمة الى حوالي 12 مليون نسمة، لم تكن الحرب متطرفة كميا فقط ولكن نوعيا أيضا، فإن هذه الفظائع مثل مذبحة وحرق ماغديبرغ في 1631، والتي قتل فيها أكثر من 20,000 شخص، لا يزال صداها يتردد في مخيلة الشعب الألماني حتى يومنا هذا. أدت الحرب أيضا الى حدوث أزمة لاجئين كذلك، فقد استضافت مدن مثل أولم أعداد هائلة بالنسبة إلى سكانها قبل الحرب، 8000 لاجئ تم استقبالهم من قبل15,000 شخص في عام 1634، وهي حالة مماثلة لتلك التي يواجهها لبنان اليوم، اذ ان واحد من كل أربعة أشخاص هو لاجئ سوري، أدت هذه التحولات إلى تخلخل التوازن الديني في كثير من الأحيان مما أثار اضطرابات في مناطق كانت هادئة في السابق، وهي ظاهرة بدأنا نراها في الشرق الأوسط أيضا، في تلك الأيام لم يأت احد مع مفهوم الإجهاد السام، ولكن وصف الصدمة لم يقلل من تأثير هذه الحالة.

في نهاية المطاف، وضع حد للحرب بين الإمبراطور الروماني المقدسة والأمراء والسويد وفرنسا وحلفائهما من قبل معاهدة مونستر وأوسنابروك(التي تعرف باسم سلام ويستفاليا) الشهيرة الان، ولكن خلال القرن والنصف الماضية، أسيء فهم طبيعتها وآثارها تماما. إن الاعتقاد الخاطئ، الذي لا يزال يتكرر في كثير من الأحيان في العديد من الكتب وفي وسائل الإعلام ومن قبل السياسيين والأعمال القياسية في العلاقات الدولية بأن هذا السلام، عن طريق منح السيادة للأمراء، افتتح “نظام ويستفاليا” الحديث على أساس المساواة في سيادة الدول وتوازن القوى وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، وقد تم اختيار هذا المفهوم الخاطئ لوستفاليا في وقت لاحق دون تمحيص من قبل علماء السياسة وعلماء القانون والمؤرخين الدوليين، مما أدى إلى ظهور أسطورة ويستفاليا بشكل ملحوظ ومستمر وعلى نطاق واسع.

لقد كانت ويستفاليا الحقيقية شيء مختلف تماما، على الرغم من أن حق الإصلاح قد تأكد رسميا، إلا انه أُلغي  في الواقع بفرض “السنة المعياري”، فرض هذا سيطرة ثابتة على الكنائس والحق في العبادة العامة واعادة الوضع الطائفي لكل إقليم إلى الحالة التي كانت عليه في يوم 1 كانون الثاني 1624، لقد كان هذا ترتيبا وسطيا مبتكرا، ووضع معيارا رسميا مقبولا للطرفين للإيمان بنقطة مشتركة في الوقت الذي لا يكتسب فيه احد الطرفين تفوقا ملحوظا. من خلال إنشاء معيار ينطبق على كل شيء، فأنه يمثل أيضا وسيلة مريحة لتجنب صراعات الشرف الأصلية في المفاوضات المبكرة الحديثة، والتي طلب من الأمراء فيها تقديم تنازلات.

وكانت النتيجة العملية أن الأمراء لم يعودوا قادرين على تحديد الانتماء الديني للسكان وإخضاعه للسؤال، فقد احتفظت الهيئات القضائية الإمبراطورية بسلطة واسعة لفرض الحقوق الدينية والملكية للناس، الكثير منها المنصوص عليها في ويستفاليا. منحت فرنسا والسويد، الضامنين الخارجيين، الحق في التدخل ضد أي إمبراطور أو أمير، من أجل تأكيد فرض شروط ويستفاليا، لذلك فإن “ويستفاليا الصحيح” تتميز بشكل أفضل بدون السيادة المشروطة.

يحق للأمراء الحكم مدى الحياة، ولكن يطلب منهم وبشكل حاسم احترام الحقوق الأساسية لرعاياهم، مثل الحرية الدينية (بما في ذلك الكالفينية) والتمتع بحرية الممتلكات وامكانية اللجوء إلى القضاء، مع احترام حقوق نظرائهم الحكام، إذا فشلوا في واجباتهم تجاه رعاياهم أو تجاه إمبراطورية، فإنهم يصبحون هدفا للتدخل، الذي ينطوي في بعض الحالات على فقدان السلطة.

إن تجنبت أوروبا الوسطى لحروبا دينية أخرى بعد عام 1648 يظهر نجاح آليات تنظيم الصراع  في معاهدة ويستفاليا، عندما تجدد النزاع الديني في أوائل القرن الـ 18، أصدر الحزب البروتستانتي بيانا حول التحسينات التي جائت بها معاهدة ويستفاليا للدستور الإمبراطوري قائلا، “إن رفض الحكام الإقليميين لقبول قيام دول آخرى بحماية السكان الأجانب والرعايا المحللين كان واحدا من أعظم الاسباب التي أدت إلى نشوب حرب الثلاثين عاما، إن هذا هو الجرح الذي شفى من قبل معاهدة سلام وستفاليا”.

ولهذا تم رؤية ويستفاليا كإجراء تصحيحي، اذ فتحت الشؤون الداخلية للتدقيق المتبادل والمعاملة بالمثل على أساس مبادئ واضحة متفق عليها من قبل الجميع، وقدمت نظاما فعالا “للحكم القضائي” للصراع، بينما تم توجيه الفتنة الطائفية (التي استمرت بالتأكيد) الى إطر القانون الدبلوماسي ونزع فتيل الصراع عن طريق التقاضي والتفاوض، إذا لزم الأمر مع تهديد بالتدخل الخارجي من قبل قوة ضامنة، بدلا من أن يجري تسويتها عن طريق الحرب.

في القرن الـ17 حُذر البروتستانت في أوربا بالحركة المعاكسة للاصلاح الكاثوليكي، التي سعى من خلالها الإمبراطور (بدعم من أبناء عمومته الاسبان في هابسبورغ) إلى استرداد الممتلكات والأراضي المصادرة من أمير الأسقفيات الكاثوليكية من قبل الأمراء البروتستانتية خلال القرن الماضي. لذلك يشعر الشيعة في منطقة الشرق الأوسط اليوم بضغط من الموجة الجديدة من العدوانية الوهابية / السلفية الجهادية التي تعتبر بالمثل ان دينهم بدعة ومكروه، وإذا ما اخترت قبول النسخة السعودي أو الوهابية، يمكن لك اعتبار إيران والشيعة كقوة مهيمنة تهدد الاخرين. بطريقة أو بأخرى، تشعر كل من إيران والمملكة العربية السعودية بعدم الأمان في المنطقة والتهديد من قبل الأعداء إلى درجة انهم يخطئون في تقدير الطبيعة الحقيقية للتهديد لهم ولمعتقداتهم.

علاوة على ذلك يمكن للموقف أن يتغير. بعد التدخل السويدي في ألمانيا عام 1630، تحول الكاثوليك الذين كانوا منتصرين سابقا الى موقف دفاعي وبدأت أسوأ كوابيسهم بالتحقق. للتوصل إلى تسوية نهائية ولتصبح هذه التسوية ممكنة، كان من الضروري لخيبة الأمل مع التفخيم الديني ان يستقرا. ربما لا يزال هذا يبدو بعيدا بعض الشيء في سوريا والعراق الآن، ولكن ليس بعيدا لدرجة كبيرة. في مرحلة مبكرة أصيب بعض السُنة على الأقل، في العراق وأماكن أخرى، بخيبة أمل من تنظيم القاعدة عندما لم يقدم التنظيم الا استمرارية العنف، من دون أمل بتحقيق أي نوع من النصر. سيكون من الضروري أولاً هزيمة داعش، أو الدولة الإسلامية، ولكن خيبة الأمل يمكن ان تتحقق بسرعة عندما يصاب مشروعها الألفي بنكسات شديدة، ومع ذلك سيكون من الضروري التعامل مع أصول الوهابية كالمشكلة وراء الجهادية في المملكة العربية السعودية، كما يقول مايكل أكسورذي في مقالة في نيو ستيتسمان يوم 27 تشرين الثاني 2015.

سيكون من المرغوب فيه جدا، كجزء من تسوية أوسع على غرار ويستفاليا أيضا، إحراز تقدم نحو إيجاد حل للصراع بين إسرائيل والفلسطينيين، ومع ذلك لا ينبغي أن ينظر إلى مثل هذه التسوية كضرورة تعتمد على ذلك. إن السؤال حول إسرائيل / فلسطين ليس عاملا مهما في الوضع الحالي في سوريا أو العراق، ولم يكن من بين الاهتمامات الرئيسية لتنظيم القاعدة أو الدولة الإسلامية، اللذان كانا أكثر تركيزا على إسقاط الدول العربية في الشرق الأوسط .

أحد جوانب الصراع في الشرق الأوسط هو أن كلا من إيران والمملكة العربية السعودية يعتبرون أنفسهم الزعيم الشرعي للمجتمع الإسلام ككل. مثلما تم تجزئة المسيحية في الصراع الديني في القرن الـ17، إلا ان الكاثوليكية والبروتستانتية ما زالا مرتبطان بشكلٍ فضيع، مثل القطط في كيس، من خلال التاريخ المشترك والإيمان المشترك، وهذا مماثل لحالة الإسلام المعاصر، لا تزال الأراضي التقليدية للإسلام ، بمعنى ما، متماسكة في أذهان المسلمين، بطريقة تذكرنا بأن سلطة الإمبراطور الروماني المقدس كانت لا تزال معترف بها من قبل الدول البروتستانتية في الامبراطورية، وإن كانت مصحوبة بمضض واستياء مرير، لذلك على المسلمين الشيعة قبول وصاية المملكة العربية السعودية، بحكم الأمر الواقع، على الأماكن المقدسة في المدينة المنورة ومكة المكرمة . إن التوصل إلى تسوية في الشرق الأوسط يمكن أن يستمد القوة من الشعور المشترك تجاه التراث في المنطقة.

إن إنشاء العراق وسوريا ولبنان كدول ذات سيادة بعد الحرب العالمية الأولى مدين بشيء ما إلى نموذج الدولة الأوروبية التي ترتبط بأذهان الكثيرين بإسطورة ويستفاليا، قد يقول البعض أن هذا النموذج يمثل تمييز مصطنع وغير ملائم للواقع السياسي المعقد في تلك البلدان، ان استمرار انهيار العراق وسوريا (مع ظهور لبنان بشكل هش) يأتي كنتيجة للترابط السيء، ولكن قد يقلل من حدود تلك الدول التي كانت مشكلة وليست الطبيعة السياسية الداخلية للدول التي أنشئت.

وجاءت حدود الدول الجديدة، بالنسبة للجزء الأكبر منها، على حدود المناطق الإدارية العثمانية السابقة، بما فيها تلك التي ألغيت مع سيطرة الدولة الإسلامية قبل 18 شهرا. من المرجح ان يكون التعقيد العرقي والديني والقبلي للشعوب التي تعيش في هذه المناطق هو الامر الذي يصعب التقسيم بصورة أقل اصطناعية أو مرضية بشكل أكبر. إن أي محاولة لإعادة رسم الحدود على نطاق واسع من المرجح أن يعمق ويفاقم من الفوضى. في معاهدة وستفاليا، مع استثناءات قليلة، تم الإبقاء على حدود ما قبل حرب الدويلات الألمانية، كانت الدول مرتبطة ببعضها البعض والتنوع الطائفي لرعاياهم هو الذي تغير، هناك درسا هنا.

إن الطائفية والتدخل من الدول المجاورة وانهيار ترتيبات الحالة السابقة ونزوح اللاجئين هي ملامح لما أصبحت له المنطقة، كما قال كاتب في النيو ستيتمنت مؤخرا بأنه (نقلا عن كارل كراوس) “مختبر لتدمير العالم”. إن البعض في الشرق الأوسط المعاصر على بينة من التطرف الديني الماضي والصراعات في أوروبا، ويسألون عن كيفية تغلبنا عليه تاريخيا، وبالتالي فإن تقديمنا للدروس الماضية لا يعتبر رعاية منا بأي شكل من الاشكال، وذلك لأنها جزء من تجربتنا الإنسانية المشتركة وذاكرتنا الجماعية. هذا هو التاريخ أو ما يمكن أن يكون. إن أسطورة وستفاليا، التي تدعم النموذج النظري للدولة الحديثة التي فشلت في كل من العراق وسوريا، قد ساهمت في الصراعات الرهيبة التي شهدناها تتكشف في السنوات الأخيرة في تلك البلدان، بينما ويستفاليا الحقيقية، على النقيض من ذلك، يمكن أن تسهم في إيجاد حل.

إن تطبيق ويستفاليا في منطقة الشرق الأوسط يتطلب مؤتمر شامل مع ممثلين من جميع الدول المعترف بها في المنطقة، بالإضافة إلى القوى “الضامنة” المحتملة، يجب ان تبدأ المفاوضات مع افتراض أن “المحتوى الحقيقة” لمختلف المواقف يجب أن يوضع جانبا في الوقت الراهن، ويجب أن تنتهي بالاعتراف بأن السيادة ستكون مشروطة وتشمل نقل بعض الصلاحيات لمؤسسات مشتركة على غرار المؤسسات القضائية العليا القديمة للإمبراطورية الألمانية أو الرايخستاغ، لن يكون هناك ضمان بالمشاركة الديمقراطية للسكان في المقام الأول، ولكن الحكومات ملزمة باحترام حقوق حيوية معينة، بما في ذلك حرية ممارسة الدين و، في ظروف معينة، الاستئناف القضائي خارج السلطات القضائية المحلية، يتم التسامح وبالتالي “بتدرج”، على غرار ويستفاليا، مع الاعتراف بدين مهيمن أو نظام سائد في كل إقليم، ولكن مع تقديم ضمانات للأقليات. كما هو الحال مع وستفاليا، فإن الحكام سيكونوا مقيدين بواجبات تجاه رعاياهم (لذلك هو ما هم عليه في الوقت الحاضر)، ولكن أيضا من أجل احترام نزاهة الكل وكذلك النظام برمته، ويجب أن يوضع الترتيب بأكمله تحت ضمان خارجي ممثل بقوى إقليمية وعالمية متفق عليها.

من الواضح أن كل هذا يتطلب إرادة سياسية ومشاركة، ولكن يجب أن نبدأ مع بعض الأبحاث الفكرية، ولتحقيق هذه الغاية، أنشأ منتدى الجغرافيا السياسية في جامعة كامبريدج “مختبر لبناء العالم”، بالاعتماد على الخبرات في كلتا الحالتين، للبدء بتصميم ويستفاليا في الشرق الأوسط.

لن يكون هناك “حل سريع”، فقد إستمرت مفاوضات ويستفاليا لخمس سنوات وفشلت في وضع حد للحرب المعلقة بين اسبانيا وفرنسا (التي استمرت حتى 1659) في نهاية المطاف. قبل 1648 وصلت مختلف الأطراف المتحاربة في وسط أوروبا إلى حالة من الإنهاك العام وخيبة أمل من التطرف الديني.

لكن الدروس المستفادة من معاهدة وستفاليا الحقيقية، التي وفرت وسيلة لتسوية النازعات القانونية وأظهرت وسائل لتحويل التدخل الخارجي في الصراع إلى ضمانات خارجية من أجل السلام، يمكن أن تساهم وبشكل كبير في إيجاد تسوية نهائية لمشاكل الشرق الأوسط.

لن يكون إحلال السلام في الشرق الأوسط سهلا، فقد فشل الكثير من قبل، ولكن أذا ما أمكن القيام بها في منتصف القرنـ 17 في ألمانيا، وهي مشكلة لا تقل إستعصاء، فإن كل شيء ممكن.


 بريندان سيمس، مدير منتدى الجغرافيا السياسية في جامعة كامبريدج

مايكل أكسورذي، مدير مركز الدراسات الفارسية والإيرانية في جامعة إكستر

باتريك ميلتون ، زميل ما بعد الدكتوراه في جامعة برلين الحرة (برنامج POINT) ومنسق ويستفاليا في الشرق الاوسط لـ “مختبر البناء العالمي” في منتدى الجغرافيا السياسية.


ملاحظة :
هذه الترجمة طبقاً للمقال الأصلي الموجود في المصدر ادناه ، والمركز غير مسؤول عن المحتوى ، بما فيها المسميات والمصطلحات المذكوره في المتن .

المصدر:

http://www.newstatesman.com/politics/uk/2016/01/ending-new-thirty-years-war