ماثيو بريزا ، زميل اقدم غير مقيم لمركز دينو باتريسيو- أوراسيا – التابع للمجلس الأطلسي.

إن اي عمل من الاعمال الارهابية تبث الرعب والارتباك على كلا جانبي المحيط الاطلسي وتصفها التقارير التلفزيونية، التي اصبحت تقليدية عقب كل هجوم ارهابي، بانها اعمال “جبانة” و”همجية” ولا تطرح اي استراتيجية مضادة لمثل هذا الارهاب سوى نقل صورة ازدياد اعداد رجال الشرطة في المدن وازدياد العمليات العسكرية في سوريا و العراق، في حين يفسر العديد من المواطنين بان “عدم ابداء اي ردة فعل” من جيرانهم على انهم قد يكونوا قتلة جماعيين. ان مثل هذا الارتباك هو ما يدفع الغرب للتخلي عن بعض من قيمه الديمقراطية، ففي اعقاب هجمات باريس وسان فرناندو ، فكر الاوروبيين بانهاء حريتهم بالتنقل التي يعتزون بها كثيرا.

 بينما يدعو المرشح للرئاسة الاميركية دونالد ترامب الى فرض حظر على جميع المسلمين من دخول الولايات المتحدة الامريكية. وعلى الرغم من هذا الارتباك السائد، الا ان هناك عامل واضح يدفع جيراننا الى ان يصبحوا ارهابيين محليين، يتمثل هذا العامل بالايديولوجية السياسية التي مالم يتم كشفها ونزع الشرعية منها، ستولد موجات مستمرة من الارهاب عن طريق تنظيم داعش الارهابي او الجماعات التي ستنبثق عنها.

الاسلام السياسي هو ايديولوجية داعش الارهابي، ويختلف الاسلام السياسي بشكل حاسم عن الاسلام، فهو يشكل تشويها للدين – الذي يستمد اسمه من الكلمة العربية “السلام” – ليحوله الى نظام سياسي يهدف الى اقامة نظام عالمي جديد، ولو بالقوة اذا لزم الامر. ومن هذا المنطلق، فان الاسلام السياسي يشابه التفسيرات المسيحية في العصور الوسطى، الذي برر تطرف الصليبيين العنيف ونظامهم السياسي والاقتصادي والاجتماعي الصارم في الاقطاعيات.

ان جوهر مفهوم الاسلام السياسي هو التفسير الضيق للقانون الإلهي (الشريعة) التي يجب تطبيقها في كل مكان لتنظيم جميع جوانب الحياة، بما فيها القانون العام والخاص، والأخلاق، والسياسة، والاقتصاد، والأعمال التجارية، والحرب. ومن وجهة نظر الاسلاميين، فأن القانون العلماني حتى لو تمت صياغته بشكل ديمقراطي، سيكون اقل شرعية من القانون الالهي. وبالتالي، فالقانون العلماني في نهاية المطاف سيخضع إلى الشريعة الى ان تَحِل دولة اسلامية واحدة، أو دولة الخلافة، محل جميع بلدان اليوم.

بينما يتشارك جميع الاسلاميين الهدف المثالي ذاته، ولكنهم يختلفون بشكل واضح من ناحية الصبر والتسامح. وحتى الآن، فان معظم الإسلاميين في العالم يعيشون في سلم مع العالم الحالي ويحملون وجهات نظر معتدلة. انهم يمزجون بين التقوى والمعايير المحافِظة في حياتهم اليومية، وواثقون بان القانون الالهي سينتصر، ولو بعد عدة قرون من الآن. اما الاسلاميين الاكثر تحمساً، كأعضاء جماعة الاخوان المسلمين، يريدون ان يبدؤا التغيير منذ الان والسعي الى السلطة السياسية عن طريق الانتخابات الديمقراطية، وذلك تمهيداً لدولة الخلافة المستندة على نسخة اضيق للشريعة واقل تسامحا.

اما الاسلاميين الاقل صبراً فقد تحولوا الى اسلاميين متطرفين ، ويريدون انشاء دولة خلافة بشكل مباشر حتى ولو تطلب الامر استخدام العنف. اذ يعتقد اعضاء من تنظيم داعش الارهابي انهم قد اسسوا دولة الخلافة في مناطق من العراق و سوريا. حيث تستند قوانينهم الآن على تفسير للفقه الإسلامي الذي ساد منذ قرون في شبه الجزيرة العربية. ويطلق هؤلاء المتطرفين الاسلاميين على المسلمين الذين يرفضون هذه الآراء المتطرفة “بالمرتدين” ويتم استهدافهم وقتلهم. وهكذا فقد اصبح المسلمون يواجهون مخاطر أكبر في معركة داخل الاسلام بين التطرف والاعتدال الذين في نهاية المطاف سيحددون نتائج هذه المعركة.

وفي يومنا هذا تواجه الحكومات الغربية معضلة في الاستجابة للصراع الأيديولوجي الاسلامي. فمن جهة، المجتمعات الغربية لديها مصالح عميقة في نتائج “الصراع الفكري” لدى المسلمين. ومن جهة اخرى ، فان الأمريكيين والأوروبيين يفتقرون إلى المصداقية لدى المسلمين، وبالتالي لا يمكن استخدام إجراءات مباشرة لتحديد نتائج هذه الصراع المهم.

ان طريقة الغرب في حل هذه المعضلة هي عن طريق التدخل غير المباشر، من خلال العمل مع الحكومات والمواطنين ذوي التفكير المماثل في البلدان ذات الأغلبية المسلمة، اذ بامكان الحكومات الغربية المساعدة في منح القوة للعلماء والائمة المسلمين ، ومساعدة المنظمات غير الحكومية في كثير من مناطق الشرق الاوسط وشمال افريقيا ووسط وجنوب آسيا الذين يعتنقون التقاليد الاصيلة للايمان المتسامح والتعلم العلمي. هؤلاء المسلمين يؤمنون بالتكامل بين الإسلام والديمقراطية ورفض كراهية و تعصب المتطرفين الاسلاميين.

ولسوء الحظ، ففي تجربتي المهنية في وزارة الخارجية والبيت الأبيض، فان صناع السياسة الأميركية يجدون صعوبة في مواجهة الأيديولوجية الإسلامية حتى في هذه الطرائق غير المباشرة. فانهم يخشون معارضة اي تنظيم يحوي اسمه على كلمة (الاسلام) التي قد تسبب في توجيه اتهام لهم باعتبارهم (كارهين للاسلام) او بخرق قانون الحريات بفصل الدين عن الدولة . وقد صغّر مسؤولون امريكيون تاثير العقيدة الاسلامية باعتبارها المحرك الرئيسي الذي يدفع المسلمون المتدينون الى الجهاد المتطرف. ان الوصفات السياسية لمحاربة الارهاب غير مكتملة، فقد ركزوا في المقام الاول على التعليم وفرص العمل والعمليات الامنية التي تمنع المتطرفين من اللجوء الى العنف، مما ادى الى منح المتطرفين الايديولوجيين المجال لاستخدام العقيدة في صياغة عبارات دينية كاداة تجنيد قوية.

في الواقع ، فقد استفاد بعض من ابرز الارهابيين المسلمين من التعليم الجيد وفرص العمل اللائقة في الولايات المتحدة الامريكية واوروبا، ولكنهم لم يستطيعوا ان يتخلوا عن الايديولوجية الاسلامية . فعلى سبيل المثال؛ خالد شيخ محمد ، المخطط التنفيذي لهجمات 11/9 ، اكمل دراسة الهندسة في ولاية كارولينا الشمالية، في حين التحق كل من الطيارين الاربعة في هجمات 11/9 بجامعات غربية. وفي باريس، فان احد المسلحين الثلاث الذي هجموا على مسرح باتاكلان، سامي اميمور، المولود في فرنسا من ام و اب جزائريين مهاجرين ، كان يملك عقد دائم كسائق حافلة، الذي وصف الاعلام والدته بانها علمانية ومعتدلة.  واما سيد فاروق ، المولود في شيكاغو الذي قتل زملائه في العمل في سان برناردينو بولاية كاليفورنيا، كان يعمل لحكومة بلاده كمفتش صحي.

ان القاسم المشترك بين هؤلاء الارهابين لم يكن انعدام الفرص الاقتصادية او حتى الميول الفطرية للعنف، بل كان مسيرة مشتركة للبحث عن الذات التي ادت الى فلسفة سياسية مفعمة بالكراهية التي اوصلتهم في نهاية المطاف الى معركة افكار عنيفة. ولذلك لا تستطيع كل من الولايات المتحدة الامريكية واوروبا بان يبقوا على الهامش في هذه المعركة الايديولجية الحاسمة، حتى ولو كانت ادوات سياستهم محدودة، واذا استمر الغرب بالتفكير السلبي، فان مجتمعاتنا ستواجه موجات مستمرة من التخريب والعنف صادرة من الداخل، وحتى بعد هزيمة تنظيم داعش الارهابي ونظام بشار الاسد في سوريا .


ملاحظة :
هذه الترجمة طبقاً للمقال الأصلي الموجود في المصدر ادناه ، والمركز غير مسؤول عن المحتوى ، بما فيها المسميات والمصطلحات المذكوره في المتن .

المصدر:

http://www.atlanticcouncil.org/blogs/menasource/western-options-in-a-muslim-battle-of-ideas