يحتاج حزب العدالة والتنمية إلى 18 مقعداً إضافياً فقط ليشكل الحكومة بمفرده، لكن استطلاعات الرأي الاخيرة تظهر عدم تمكنه من تشكيل الحكومة بمفرده، وسط مواجهات عسكرية بين الجيش التركي وحزب العمال الكردستاني، وتعبئة قومية تركية كردية شبيهه بحقبة الثمانينات من القرن الماضي قبل الحرب الاهلية.

18 مقعد إضافي هو ما يحتاجه حزب العدالة والتنمية!

ان توقيت شن الحرب ضد حزب العمال قبل الانتخابات وقصف مواقعه داخل تركيا وفي جبال قنديل شمال العراق رغم اعلان حزب العمال الكردستاني التزامه بالهدنة استعداداً لعهد سلام بينهُ وبين الحكومة التركية، هي محاولة من الرئيس اردوغان ليس فقط لجذب اصوات القوميين الاتراك، بل أيضاً لجر حزب الشعوب الديمقراطي الكردي إلى العنف لحظره دستورياً أو حظر رموز حزبه المؤثرين خصوصاً زعيمه صلاح الدين دميرطاش من العمل السياسي.

شن الحرب أنهى الهدنه، وعلى اثرها قام حزب العمال بسلسلة عمليات مسلحة ضد الجيش التركي والمقار الأمنية والحكومية، ثم تحولت الكثير من المدن والبلدات الكردية والتركية إلى ميادين للمواجهات شبه اليومية، خصوصاً بعد نشر القنوات التركية لمناظر جثث قتلى الجيش التركي وسط ردود فعل تركية غاضبة على مناصري حزب العمال من كرد تركيا أو تحميل السيد أردوغان مسؤولية ما يجري.

ان شن الحرب أعطى المرشحين القوميين الكرد دفعة قوية ودعاية مجانية، إذ سيصوت الناخب الكردي على أساس الهوية والانتماء القومي، وسط حديث عن تنكر السيد أردوغان لوعوده بالقيام باصلاحات سياسية تضمن حل سياسي للقضية الكردية، وبالتالي فأن حزب الشعوب الديمقراطي سيحصل على نسبة 10% أو اكثر للدخول إلى البرلمان وتجاوز العتبة الانتخابية من جديد.

من الصعب هزيمة حزب الشعوب الديمقراطي الكردي، وإذا خسر الحزب الكردي وحصل على أقل من 10% من الأصوات، فهذا يعني أن حزب العدالة والتنمية سيحصل بسهولة على الاغلبية في مجلس النواب التركي. الا ان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يؤمن ان تحقيق نصر انتخابي على الكرد وبنفس الوقت قتال حزب العمال الكردستاني ومواجهة تنظيم داعش، والحفاظ على منجزاته في تحسين الاقتصاد التركي، هو أمر شديد الصعوبة.

مسؤولوا حزب العدالة والتنمية يحذرون من ان تأخير تشكيل حكومة منسجمة بعد الانتخابات المبكرة واستمرار الحرب ضد حزب العمال سيؤديان إلى انهيار الاستثمارات الخارجية في تركيا التي تحققت على مدى الاثنى عشر عاماً الماضية.

مؤتمر حزب العدالة والتنمية

منذ ان تأسس حزب العدالة والتنمية في عام 2001، لم يشهد مؤتمره الحزبي احداثاً مهمة كالتي حصلت في المؤتمر الذي عقد في 12 أيلول 2015 حيث غاب ابرز مؤسسيه وهما الرئيس اردوغان والرئيس السابق عبدالله غل. من المفهوم غياب السيد اردوغان لالتزامه بالدستور حيث يقضي الدستور التركي بأن يكون الرئيس مستقلا، لكن غياب السيد غل ترك المراقبين يتساءلون!

اذ كانت مجموعة من القيادات المؤسسة للحزب مثل باباجان وأرينش من بين خمسين عضوا بعضهم مقرب من عبدالله غل، رفضوا دعوة السيد اردوغان إلى انتخابات مبكرة، وكانت النتيجة خروج تلك القيادات خارج الحكومة واللجنة المركزية ومن أي دور قيادي، ودخول قيادات جديدة موالية للرئيس أردوغان مثل عمر شيليك ويالتشن آق دوغان. وانعقد المؤتمر بمرشح وحيد وهو السيد داود أوغلو ليعاد انتخابه رئيساً للحزب.

وأبرز ممن دخلوا قيادة الحزب (براء البيرق زوج بنت الرئيس اردوغان، ووزير الاتصالات السابق بنالي يلدرم، وبرهان كوزو المستشار القانوني للرئيس اردوغان، و يلتشن آق دوغان مسؤول التفاوض في عملية السلام مع الكرد). ومن أهم القرارات التي اتخذها الحزب في المؤتمر هو قرار السماح لاعضاء الحزب من قيادات ونواب ووزراء ممن شغلوا مناصبهم لأكثر من ثلاث دورات متتالية بالترشح من جديد اذ كان يحظر عليهم ذلك.

استطلاع رأي

نشرت مؤسسة متروبول عن بياناتها لاستطلاع الرأي في تركيا، جاءت فيه أن حزب العدالة والتنمية لن يحصل على الاغلبية البرلمانية في الانتخابات المبكرة المزمع اجرائها في الأول من تشرين الثاني (نوفمبر)، وأنه سيحصل على 41.7% ، فيما قالت أن حزب الشعب الجمهوري سيحصل على 25.5%، وحزب الحركة القومية على 15.7% وحزب الشعوب الديمقراطي الكردي على 14.7%  .

ونقلت وكالة رويترز عن مؤسسة متروبول أن الاستطلاع أجري بين 14 و16 آب (أغسطس) 2015 بمشاركة 2520 شخصاً من عموم تركيا.

استطلاع رأي لمؤسسة متروبول

الاحزاب انتخابات 7 تموز الماضي انتخابات 1 تشرين الأول
حزب العدالة والتنمية 40.9%. 41.7%
حزب الشعب الجمهوري 25.1% 25.5%
حزب الحركة القومية 16.5% 15.7%
حزب الشعوب الديمقراطي 13%. 14.7%

أما مؤسسة كيزيجه، نشرت هي الاخرى بياناتها عن استطلاع للرأي أجرته وقالت ان حزب العدالة والتنمية سيحصل على 39.3% ، أي أقل مما حصل عليه الحزب الحاكم في انتخابات 7 حزيران (يونيو) والتي كانت بنسبة 40.7%. ، فيما سيحصل حزب الشعب الجمهوري على 28.1%، وحزب الحركة القومية على 16.8%، وحزب الشعوب الديمقراطي على 13.5% ، وبذلك لن يتمكن حزب العدالة والتنمية ايضاً من تشكيل الحكومة بمفرده اذا جرت الانتخابات المبكرة في 1 تشرين الثاني. ونقلت وكالة رويترز عن مؤسسة كيزيجه أن الاستطلاع أجري بين 12 و13 ايلول (سبتمبر) 2015 بمشاركة 5000 شخصاً من كافة انحاء تركيا.

استطلاع رأي لمؤسسة كيزيجه

الاحزاب انتخابات 7 تموز الماضي انتخابات 1 تشرين الأول
حزب العدالة والتنمية 40.9%. 39.3%
حزب الشعب الجمهوري 25.1% 28.1%
حزب الحركة القومية 16.5% 16.8%
حزب الشعوب الديمقراطي 13%. 13.5%

وحسب رأي المراقبين في مؤسسات الاستطلاع فان كلاً من الرئيس التركي ورئيس حزب الشعب الجمهوري المعارض سيسعيان إلى جذب “الاصوات الضالة”، وهو المصطلح الذي قاله كمال قلجدار أوغلو رئيس حزب الشعب الجمهوري ، ويقصد بها اصوات اليساريين الذين صوتوا في الانتخابات الماضية لحزب الشعوب الديمقراطي الكردي.

التعبئة القومية بين الترك والكرد

كيف سيُخرج الرئيس التركي تركيا من الحرب القومية مع حزب العمال الكردستاني؟ هذا السؤال يطرحهُ الكثيرون داخل وخارج تركيا. فلقد كان مؤتمر حزب العدالة والتنمية الأخير مؤتمراً لترتيب البيت الداخلي قبل الانتخابات المبكرة لانها ستكون انتخابات مصيرية لمستقبل السيد اردوغان.

أن اخطر ما يواجه تركيا كدولة في خضم الحرب مع حزب العمال الكردستاني أنها بلغت مرحلة متقدمة من القتال في مناطق كثيرة، وزادت من شدة المواجهه ونوعية السلاح المستخدم. وفي جهه موازية انطلق الاعلام التركي والكردي بتعبئة الاتراك والاكراد ضد بعضهما البعض في اخطر تحقين قومي قد تنتهي بحرب قومية.

المراقبون للشأن التركي يعلمون جيداً ان السيد اردوغان لن يستطيع حل القضية الكردية بالقوة العسكرية، ولن يستطيع فرض شروطه في الحل السياسي او اتفاق “المصالحة الداخلية” على حزب العمال كي يلقوا السلاح، ولن يستطيع تقديم تنازلات كبيرة للكرد في تركيا كالسماح لهم في انشاء منطقة حكم ذاتي أو اقليم كردي لان الثقافة القومية ما زالت سائدة بين الاتراك، وبنفس الوقت لن يستطيع الرئيس التركي الجلوس ومشاهدة كرد سوريا وهم يستقلون ذاتياً في اقليم شبيه باقليم كردستان العراق خصوصاً ان حزب العمال الكردستاني التركي يستحوذ على الاقليم الكردي السوري، لذا فان حزب العدالة والتنمية في محنه حقيقية.

12323231-782x1024

أزمة اللاجئين السوريين

على الصعيد الخارجي، تسعى قيادة الحزب الحاكم في تركيا إلى احراج الدول الاوربية المؤيدة لحزب الشعوب الديمقراطي وللقضية الكردية وذلك بمسألة اللاجئين المتوجهين إليها، وايضاً لرفض الدول الاوربية اقامة منطقة عازلة في شمال سوريا. فقد ذكر والد الطفل آيلان الذي جرفت المياه جثته إلى الساحل التركي وتناقلتها وسائل الاعلام، ان عائلته ركبت رحلة الموت لان السلطات التركية رفضت منحهم تأشيرات للخروج من تركيا. فمنذ اربع سنوات منعت السلطات التركية جميع اللاجئين السوريين لديها (قرابة المليونين) من مغادرة السواحل التركية بقوارب التهريب واحكمت اغلاق الحدود البرية مع اوروبا. لكن العالم فوجئ بعشرات الالاف من السوريين وهم يعبرون البحار، ورئيس الوزراء التركي قال في تعقيب على هجرة اللاجئين في  4 ايلول ” إن أنقرة حاولت إقناع العالم بإقامة منطقة آمنة داخل سوريا، لوقف تدفق اللاجئين من البلد الذي تمزقه الحرب، لكن هذه الدعوات لم تلق آذانا صاغية”.

ان حكومة السيد داود اوغلو وطيلة اربعة سنوات استقبلت اللاجئين السوريين من اجل هدف سياسي وهو استغلالهم في اسقاط نظام الرئيس بشار الاسد ومنع قيام كيان كردي شمال سوريا، ومع فشل جميع المحاولات في اسقاط النظام وفي محاولات اقامة المنطقة العازلة، ما زال القادة الاتراك يعتقدون انهم باحراج الدول الاوربية سيحققون هدفين، الضغط لتغيير النظام في دمشق ومنع كرد تركيا وسوريا من اقامة الاقليم.

تراجع الدخل القومي التركي

وفقاً لبيانات هيئة الإحصاء التركية، فقد أنخفض ناتج الدخل القومي التركي من 800 مليار دولار في نهاية 2014 إلى 594 مليار دولار بسبب تراجع سعر صرف الدولار بـ21 % بين كانون الأول (يناير) وآب (أغسطس) إلى 3 ليرات، مما أدى إلى تراجع نصيب الفرد التركي من الدخل القومي إلى المستوى الذي كان عليه في2007. وانعكس ذلك في تراجع الحد الأدنى للأجور للطبقة الفقيرة لحوالي 5 ملايين عامل وموظف تركي  من (406 دولاراً) إلى (333 دولاراً). وذكرت هيئة الإحصاء التركية أيضا أن قوة العمل الفعلية في تركيا تتألف من 27.7 مليون شخص، وقالت ان متوسط الأجور كان يعادل ( 792 دولاراً) في كانون الثاني (يناير) لينخفض إلى متوسط (618 دولاراً) في آب (أغسطس).

أن استمرار هبوط العملة التركية سيسبب بإخراج تركيا من مجموعة العشرين الصناعية حسب تقرير وكالة أنباء جيهان التركية، إذ تراجعت تركيا في الترتيب العالمي للناتج القومي إلى المرتبة 21 متراجعة مرتبتين، ويتوقع الخبراء أن تركيا ستشارك لآخر مرة في قمة دول العشرين G20 المزمع عقدها في أنطاليا جنوب تركيا في 15 تشرين الثاني (نوفمبر) 2015.

التصنيف الائتماني التركي 

نشر موقع (بلمبورغ بيزنس) المختص بالشؤون المالية والاقتصادية، تقريراً جاء فيه ان مؤسسات مثل موديز وفيتش وهي وكالات تقدم تحليلات وتقييمات مالية وائتمانية لمؤسسات حكومية وخاصة، قيمت التصنيف الائتماني لتركيا وقالت أن وكالات التصنيف الائتماني العالمية، تضع تركيا في منطقة الخطر منذ أكثر من عامين، فقد منحت وكالة موديز تركيا توقعات سلبية.

فقد انخفضت الليرة التركية 21%، الأمر الذي يُعد أسوأ ثالث أداء بين 24 سوق رئيسية، ولا يخفى ان تركيا تعتمد على رأس المال الأجنبي مقارنة بالدول الأخرى، وأن الأمور المالية التركية ستظل تحت ضغوط كبيرة، ذلك أن حجم العجز في الحساب الجاري ومقدار الدين يخلق مخاطر ونقاط ضعف كبرى، ويشير التاريخ أن مثل هذا الأمر ينتهي بطريقة فوضوية للغاية، وبالنتيجة فأن دخول تركيا في حرب مع وجود الديون والليرة الضعيفة، كلها أشياء وضعت التصنيف الائتماني التركي في خطر شديد.

الرئيس التركي وهو يرفع نسخة من كتاب الله المجيد في حملة انتخابات تموز 2015
الرئيس التركي وهو يرفع نسخة من كتاب الله المجيد في حملة انتخابات تموز 2015

إستراتيجية حزب العدالة والتنمية للفوز بالانتخابات

يراهن حزب العدالة والتنمية على الفوز بالأغلبية في الانتخابات المبكرة وتشكيل الحكومة بشكل منفرد، بتشتيت اصوات حزب الشعوب الديمقراطي الكردي وعدم السماح له بعبور العتبة الانتخابية، وذلك بتأجيج النزعة القومية التركية لدى “الاصوات المترددة” و “الاصوات الضالة اليسارية” التي صوتت للحزب الكردي الوحيد، ولا يهم حزب العدالة ان يصوت المترددون لهم أو لحزب تركي آخر طالما لا يصوتون لحزب الشعوب الديمقراطي. من جانب آخر، ان عدم استقرار بعض المدن والبلدات ذات الاغلبية الكردية قد يمنعهم من المشاركة في الانتخابات والتصويت، وبالتالي لو حصل حزب الشعوب الديمقراطي على 9.9% من الاصوات فلن يعبر العتبة الانتخابية وسيفوز حزب العدالة بالاغلبية بكل ارتياح.

أن استراتيجية تأجيج العنف لكسب اصوات القوميين الاتراك وتقديم حزب الشعوب الديمقراطي كجناح سياسي لحزب العمال الكردستاني، قد تجذب بعض اصوات القوميين الترك وتدفع باليساريين بعيداً عن الحزب الكردي. بالنتيجة ردة الفعل الشعبية الكردية أو رد حزب العمال باستخدام العنف ايضاً، ستكون ذريعة لمنع اقامة مراكز انتخابية في المناطق ذات الاغلبية الكردية، وبالتالي حرمان حزب الشعوب الديمقراطي من عبور العتبة الانتخابية.

العلاقة بين السيد اردوغان والجماهير الكردية في تركيا تمر بأسوء مراحلها، فبعد ان كان اردوغان اول زعيم تركي يتحدث عن الحقوق الكردية وعن حل سياسي للنزاع مع الكرد، بل انه قاد بنفسه حملة دعم للحقوق الثقافية الكردية منذ توليه لرئاسة الوزراء وتبنى مشاريع البنى التحتية في المناطق الكردية، ثم ذهب ابعد من ذلك في عام 2012 عندما بدأ حواراً سياسياً مع السيد عبدالله اوجلان زعيم حزب العمال الكردستاني. أن جهود اردوغان تلك جاءت بنتائج انتخابية غير متوقعة، حيث فاز حزبه بـ26 مقعداً من مجموع 38 مقعد في المناطق الكردية.