نوصيبا يونس ، سالي مهدي

ليس هناك الكثير ليحسد عليه رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، الذي يسعى جاهداً لتمويل الحرب ضد داعش حتى مع شلل الاقتصاد العراقي بسبب انهيار اسعار النفط. بينما يبدأ البرلمان العراقي التداول حول الميزانية المقترحة للعام المقبل، يبين تصاعد المشاكل المالية والتحديات الكبيرة التي تنتظر العراق أن المشرعين سيضطرون إلى إعادة النظر في ميزانية العراق والعمل للحصول على دعم كبير من الجهات الدولية للحفاظ على سير العملية الاقتصادية والسياسية بشكل صحيح في عام 2016.

تكشف ميزانية التقشف العراقية لعام 2015، التي خفضت الإنفاق بنسبة 16 في المئة وفرضت ضرائب المبيعات على السيارات وتذاكر الطيران وائتمان الهاتف الخلوي والكحول والسجائر، عن فشل في الحفاظ على العجز الذي يقدر ب 22 مليار دولار من الميزانية. توقع احد المحللين بان عجز ميزانية العراق لعام 2015 قد يصل الى 35 مليار دولار، حوالي  20 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للعراق. افترضت ميزانية 2015 بأن سعر النفط سيتراوح عند 56 $ للبرميل، وهو ما ثبتت عدم صحته فوراً. بحلول الوقت الذي دخلت فيه الميزانية حيز التنفيذ في كانون الثاني عام 2015، صدرت الحكومة العراقية النفط بمتوسط ​​سعر 41 $ للبرميل. وتوقعت ميزانية عام 2015 بأن العراق سيصدر 3.3 مليون برميل من النفط يومياً، بما في ذلك 550.000 برميل يومياً من قبل الأراضي التي تديرها حكومة إقليم كردستان  (KRG)لكن الاتفاق الذي وصلت اليه حكومة العبادي وحكومة إقليم كردستان في كانون الاول 2014 سرعان ما تفكك بسرعة، وترك فراغ في صادرات نفط الحكومة العراقية.

ينص الاتفاق بين حكومة إقليم كردستان وحكومة العبادي بأن تحصل حكومة إقليم كردستان على 17٪ من الموازنة العراقية الاتحادية مقابل تسويق 550.000 برميل يومياً من خلال سومو، شركة تسويق النفط العراقي، لكن حكومة إقليم كردستان فشلت في تصدير 550.000 برميل، مشيرة إلى أن الأمر سيستغرق وقتا للحصول قدرات إنتاج نفطي بهذا المستوى. وفي الوقت نفسه، فإن حكومة إقليم كردستان تصدر جزء من نفطها بشكل مستقل، وهذا الذي يثير حفيظة بغداد. فشلت بغداد التي تعاني من مشكلة التدفق النقدي في دفع أي شيء قريب من 17% المتفق عليها لحكومة إقليم كردستان، وبدلاً من الاعتراف بالضائقة المالية قامت بالقاء اللوم على حكومة إقليم كردستان باعتبارها المسؤولة عن هذا النقص بسبب فشلها في تصدير النفط.

بلغ الخلاف ذروته في حزيران عندما خفضت حكومة إقليم كردستان كمية النفط التي يتم تسويقها من خلال شركة تسويق النفط وزادت صادراتها النفطية المستقلة. ومنذ ذلك الحين، واصلت حكومة إقليم كردستان زيادة صادراتها النفطية المستقلة و تحويل نسبة صغيرة من إنتاجها إلى سومو مقابل الحصول على مبالغ ضئيلة من بغداد.

ومن بين العناصر الأكثر إثارة للقلق حول الميزانية المقترحة لعام 2016، التي تخضع لتقييم من قبل البرلمان العراقي حالياً، هو افتراض أن صفقة تصدير 550.000 برميل يومياً مقابل حصول الاقليم على   17 في المائة من الموازنة الاتحادية لا يزال قائما، بدون الاخذ بعين الاعتبار انها انهارت بشكل واضح. قال نائب رئيس لجنة النفط والغاز في البرلمان الكردي بشكل صريح لوكالة أناضول التركية أنه “لا يعتقد بأن الحكومة المركزية ستنفذ قانون الموازنة لعام 2016 وترسل حصة كردستان البالغة 11 مليار دولار”. لم يكن هناك أي مؤشر على أن هذه الصفقة، بعد أن فشلت بشكل كبير جداً هذا العام، تمتلك أي فرصة أفضل للنجاح في عام 2016. يجب أن يتم تعديل ميزانية 2016 إذا ما اراد المشرعون الابقاء على الصفقة.

تحاول ميزانية 2016 تلبية حاجة الحكومة إلى الاقتراض بشكل كبير في مواجهة النقص المستمر. في تموز، وافق صندوق النقد الدولي على اعطاء العراق 1.24 مليار دولار كمساعدة مالية في صك سريع، والذي يقدم سعر فائدة منخفظ وغير مصحوب بأي شروط. وقع البنك الدولي اتفاقية قرض بقيمة 350 مليون دولار في شهر تموز لتمويل إعادة الإعمار في حالات الطوارئ في المدن التي تم استعادتها من داعش، وبدأت العمل على ارسال قرض منفصل بقيمة مليار دولار، والذي يجب ان يكتمل الشهر المقبل لمساعدة بغداد على التعامل مع العجز في ميزانيتها. ويعتزم العراق اقتراض 2.02 مليار دولار من البنك الإسلامي، وبنك قطر الوطني، والحكومة اليابانية في محاولة للحصول على 6 مليار دولار من سوق السندات الدولية. وقد أطلقت بغداد حملة ترويجية للمستثمرين في الأسبوع الماضي لتسويق سلسلة من مبيعات السندات بالدولار الأمريكي، ولكن من غير المرجح أن تصل إلى هدفها في الحصول على 6 مليار دولار في المبيعات لأسباب ليس أقلها أعطاء ستاندرد آند بورز العراق درجة استثمارية تقدر بـ B-  .

ولكن ما هو أكثر إثارة للقلق حول ميزانية العراق لعام 2016 هو نيتها لتمويل عجز الموازنة من خلال القروض غير المباشرة من البنك المركزي العراقي. على الرغم من أن قوانين البنك المركزي تمنع البنك من تقديم قروض مباشرة إلى الحكومة، الا ان الحكومة وجدت طريقة من شأنها أن تنطوي على قيام البنك المركزي بشراء سندات حكومية من البنوك التجارية، ولكن هذا التكتيك سيتطلب ان يقوم البنك المركزي باستخدام احتياطياته الأجنبية، والتي تعتبر مهمة لتمكين البنك المركزي من دعم الدينار العراقي.

إذا فقد البنك المركزي قدرته على تحقيق الاستقرار في قيمة الدينار العراقي، فان هذا يمكن أن يزعزع الاقتصاد العراقي. لمنع مثل هكذا سيناريو، سيحتاج البنك المركزي لتوضيح مقدار الأموال المتاحة للحكومة، حتى لو كان هذا المال لا يكفي لأن يغطي العجز في الميزانية. إذا فشل البنك المركزي في التمسك بهذا المقدار من الاموال، فسيتعين عليه طباعة الدينار العراقي مقابل العملات الأجنبية، وبالتالي إدخال الضغوط التضخمية في الاقتصاد العراقي وزيادة زعزعة استقرار العملة العراقية.

في مواجهة هذه العوامل التي لا تعد ولا تحصى، يبدو من غير المحتمل أن تجد ميزانية 2016 مصادر كافية لتمويل إنفاقها المتوقع، وهذا سيعرض العراق لخطر حقيقي من خلال مواجه أزمة مالية في العام المقبل. ورث رئيس الوزراء العبادي مجتمع مكسور، وتمرد وحشي، واقتصاد منهار حين تولى منصبه في ايلول 2014. كما ان النزاعات السياسية ادت الى ان يعمل العراق لديه بدون ميزانية لعام 2014، وقد استنزف الفساد المستشري في البلد ما يقدر بـ 350 مليار دولار من خزائن الحكومة منذ عام 2003. انخفض النمو الاقتصادي في العراق من 13.9 في المائة في عام 2012 إلى ما يقدر بنسبة 0.5 في المئة في عام 2015، وتشير التقديرات الى توقف يقدر بـ 49 مليار دولار في النشاط الاقتصادي بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية.

 ان انتشار الاضطرابات الشعبية في جميع أنحاء العراق يضيف ضغوطاً على حكومة العبادي لتحسين البنية التحتية المتداعية في العراق والخدمات العامة المهملة منذ فترة طويلة في وقت تحتاج فيه الحكومة العراقية لتخفيض النفقات. لن تتمكن حكومة العبادي من البقاء على قيد الحياة في عام  2016 بدون الدعم المالي والسياسي الكبير من شركائها الدوليين.


نوصيبا يونس ، زميل أقدم مقيم في مركز رفيق الحريري في المجلس الأطلسي.

سالي مهدي ، المحلل للاقتصاد العراقي في جامعة أوكلاهوما.

المصدر :

http://www.atlanticcouncil.org/blogs/menasource/iraq-the-fragile-economy-of-a-fragile-state?utm_content=buffer35288&utm_medium=social&utm_source=twitter.com&utm_campaign=buffer