كايتلين تالماج – أوستن لونغ

ها قد عادت القوات الأمريكية الى مهمة تدريب القوات الأمنية العراقية بعد المكاسب المذهلة التي حققها تنظيم الدولة الإسلامية في العراق صيف عام 2014. وعلى الرغم من أنها لم تنجح في المرة الأولى – وهي التي أنفقت 25 مليار دولار على مدى أكثر من عقد من الزمن في أعقاب غزو العراق عام 2003 – إلا أن بعض المسؤولين الأميركيين أعربوا مؤخراً عن تفاؤل حذر حول ما يمكن أن يحققه الجهد التدريبي الجديد، على المستويين العام والخاص.

صحيح أن جهود الولايات المتحدة الأخيرة قد حققت بعض التحسينات التكتيكية في صفوف القوات العراقية، إلا أنها كانت محدودة في أحسن الأحوال. والأهم من ذلك، أن بحوث العلوم الاجتماعية على الفاعلية العسكرية تشير إلى أنه ليس من المرجح لتلك المكاسب أن تترجم إلى نجاحات عسكرية ستراتيجية وعملياتية أكبر، وهو ما يتطلبه نهج الإدارة “العراق أولاً” ضد تنظيم الدولة الاسلامية.

وهذا الأمر يمكن نعزوه الى أن أساس المشاكل مع قوات الأمن العراقية هو سياسي، حيث أن النظام في بغداد غير مهتم كثيراً ببناء جيش محايد ومهني لا طائفية فيه، وهو ما تريده الولايات المتحدة منذ زمن بعيد. وهذا الصدام الأساسي في الأهداف، الشائع جداً في حالات تقديم المساعدة للقوات الأمنية، قد تسبب في عقبات خطيرة أمام الفاعلية القتالية العراقية المطلوبة لمواجهة تنظيم الدولة الإسلامية.  بالإضافة الى ذلك فإن الولايات المتحدة لديها نفوذ ضئيل نسبياً للضغط على بغداد للإنصياع الى رغباتها، ويعود هذا الأمر من ناحية الى أنها تفتقر إلى خيار خروج موثوق، ومن ناحية أخرى الى أن العراق قد يلجأ إلى إيران كراعٍ بديل.

يبلغ عديد الوجود العسكري الأمريكي الكلي في العراق حوالي 3500 فرد، من بينهم 450 مدرباً، و 100 مستشار. يهدف المدربون الى تقديم المساعدة في تحسين مهارات 250.000 فرداً من الجيش العراقي، وهو جيش لا يزال على الورق حتى الآن، وأكبر بكثير من عديد قوات تنظيم الدولة الإسلامية التي يسعى لهزيمتها . ويقتصر دور المستشارين في هذه الأثناء على المساعدة في عمليات صنع القرار والتنسيق والدعم اللوجستي  وطلب الدعم الجوي وغيره.

ولم يسفر هذا الجهد عن نتائج مثمرة حتى الآن، حيث لم يشمل التدريب إلا جزءً يسيراً  من الجيش العراقي – حوالي 13.000 الف جندي، بضمنها القوات الكردية، وليس فقط القوات التي تتلقى أوامرها من بغداد. وبهذا يكون البرنامج التدريبي لم يحقق الأهداف المعلنة له، ويعود ذلك أساساً الى أن بغداد لم تقدم العدد المطلوب من المجندين الذي أرادته الولايات المتحدة.  وقد لاحظ بعض المسؤولون أنه حتى عندما يتم توفير العدد المطلوب من المجندين، فإنهم يكونون عادة من أفراد الدعم من المراتب الخلفية مثل الطهاة، وليسوا من  الوحدات القتالية.  وكان الجنرال لويد أوستن  قد أدلى بشهادته أمام مجلس الشيوخ الاسبوع الماضي، وتصدر جزء من تعليقاته عناوين الصحف، خصوصاً تلك المتعلقة بسوريا والجهود المبذولة لتدريب العراقيين ، حيث قال “إنها تحدث فرقاً، لكن المكاسب ستبقى محدودة  ما لم يسرِّع العراقيين من عملهم”.

أما المسألة الثانية، فهي أنه حتى الوحدات التي تلقت تدريباً إضافياً لم يكن أداءها جيداً في القتال،  حيث تعثرت المحاولة الأخيرة لاستعادة الرمادي بشكل سيء. وكانت الرمادي، وهي مدينة ذات غالبية سنية، قد عانت طويلاً  من تجاهل النظام الشيعي لها في بغداد، الأمر الذي أدى الى سقوطها بيد قوات تنظيم الدولة الإسلامية بعد أن فرض المقاتلين المحليين السنة حصاراً خانقاً عليها في وقت سابق من هذا العام.  وقد أشار بعض الضباط العراقيين الذين يقاتلون الآن لاستعادة الرمادي بأصبع الاتهام إلى النقص المفترض في الضربات الجوية الامريكية. غير أن المشاكل الحقيقية تنبع من عدم وجود المهارات التكتيكية الأساسية، والأهم من ذلك، عدم القدرة على توظيف تلك المهارات في أداء العمليات المعقدة التي تنطوي على كل من  المبادرة من قبل الوحدات الفردية والتنسيق بين الوحدات.

وتشير البحوث على الفاعلية العسكرية إلى أنه حتى بوجود جنود شجعان متحفزين، فإن الجهود الرامية إلى استعادة  أراض بعينها لن تنجح ما لم يتم إتقان تلك المهارات الأساسية.  كما تشير تلك البحوث ايضاً الى أن تلك المهارات من غير المرجح أن تتطور في الأنظمة التي يكون اهتمامها منصباً على الحفاظ على القوة، خصوصاً في مواجهة تهديدات سياسية من قبل انظمتها العسكرية الخاصة، بدلاً من محاربة خصوم  تقليديين اقوياء. وقد أصابت هذه المشكلة تاريخياً معظم الجهود العراقية لتخريج قوات عسكرية فعالة، ويرجع تاريخها إلى عهد صدام حسين.

لقد كان الجيش العراقي منذ فترة طويلة غير كفوء على الإطلاق في وظائف الخدمات اللوجستية الحرجة. وكان هذا الضعف في الخدمات اللوجستية من السهولة بمكان التعرف عليه حتى قبل الانسحاب الامريكي في شهر كانون الاول 2011.  ويشير تقرير يعود الى العام 2010  الى العديد من التحديات، ومنها أن “الجيش قد يواجه تحديات كبيرة في تحويل وحدات كبيرة للاستجابة لأزمة داخلية أو حدث كبير على الحدود.”

بعبارة أخرى، كان هناك قبل خمس سنوات مخاوف كبيرة بشأن قدرة الجيش على القيام  بما يشبه الحركات اللازمة لاستعادة السيطرة على الموصل أو الرمادي مثلاً.  وقد أثبتت تلك المخاوف صدقيتها، حيث تعتبر القوات الامريكية الان أن المشكلة اللوجستية هي العقبة أمام إعادة تدريب القوات العراقية. ويتطلب عكس نقاط الضعف تلك نوعاً من الاحتراف والابتعاد عن السياسة وإصلاح الحكومة العراقية التي تبدو غير قادرة أو غير راغبة في صياغة ذلك طوال العقد الماضي.
ولا يمكن أن نعزو تلك المشاكل لمجرد صعوبة عامة في تدريب القوات المحلية في الشرق الأوسط، على الرغم من هكذا مهمة تعتبر بالتأكيد تحدياً كبيراً. لقد خسر تنظيم الدولة الإسلامية  مساحات  شاسعة من الاراضي في العراق خلال العام الماضي، ولكن ليس على يد الجيش العراقي الذي تدربه وتدعمه الولايات المتحدة. لنأخذ على سبيل المثال هزيمة التنظيم في بلدة تكريت، مسقط رأس صدام حسين، والتي كانت نتيجة تعاون بين كل من القوة الجوية للتحالف الدولي وبين قوات التعبئة الشعبية (الحشد الشعبي) التي تتألف في معظمها من ميليشيات شيعية مدعومة من قبل مستشارين إيرانيين في مجالي الاستخبارات والمدفعية.  وكان جهد الجيش العراقي الأولي لاستعادة السيطرة على البلدة قد فقد زخمه بسرعة.  وعلى نفس المنوال كانت خسائر تنظيم الدولة الإسلامية في الشمال نتيجة للعمليات الكردية التي تعمل بشكل مستقل تماماً عن سيطرة بغداد. هذا في الوقت الذي تبقى فيه مدن كبرى مثل الموصل – حيث كان مسؤولوا القيادة المركزية الامريكية قد توقعوا ان يشن الجيش العراقي هجمات لاستعادتها في الربيع الماضي – بالكامل تحت سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية.

اما خارج العراق، فقد أثبتت الجيوش العربية الحليفة للولايات المتحدة الأخرى قدرتها على القتال، حيث  تمكنت دولة الإمارات العربية المتحدة من بناء قوة محترفة، على الرغم من أن الهيكل الاتحادي للدولة  الذي يتطلب تحقيق التوازن بين مصالح الامارات السبعة المكونة للدولة. نتيجة لذلك، كان الجيش الإماراتي  قادراً على السيطرة على الخدمات اللوجستية والمهام القتالية التكتيكية اللازمة لإبراز قوته من أبوظبي إلى عدن وما ورائها. و على الرغم من أن المهنية لا تضمن الانتصار في حرب معقدة كما في اليمن، إلا أن أداء الإماراتيين يشير الى أن  بناء جيش قوي ممكن في حال توفر إرادة سياسية للحد من المحسوبية والفساد.

وعلى الرغم من الخطابات الايجابية حول جهود التدريب الحالي، إلا أن الدليل واضح، إذ أنه  في ظل غياب أي التزام من جانب الأحزاب العراقية الحاكمة للتصدي للفساد والتسييس مع التأكيد على المهنية العسكرية والتدريب المستمر، فأنه من المستبعد جداً الحصول على نتائج مختلفة عن جهد ما قبل العام 2011. وهذا الأمر قد يكون كافياً إذا ما كانت الولايات المتحدة تسعى فقط إلى ابقاء قوات تنظيم الدولة الإسلامية في مكانها الى ما لا نهاية، غير أن هزيمة التنظيم بشكل حاسم والحفاظ على وحدة العراق كدولة  يتطلب أكثر بكثير من التاريخ الذي يشير الى أن بغداد مهتمة بتقديمه.


كايتلين تالماج : أستاذ مساعد في العلوم السياسية والشؤون الدولية في جامعة جورج واشنطن.

أوستن لونغ:  أستاذ مساعد في الشؤون الدولية والعامة في جامعة كولومبيا.

المصدر :

http://www.washingtonpost.com/blogs/monkey-cage/wp/2015/09/22/why-the-u-s-still-cant-train-the-iraqi-military/?postshare=7121442919832114