أبو عبد الله، قائد التفجيرات الانتحارية في داعش المعروفة باسم “المخطط”، في زنزانته في بغداد. صورة: سام تارلينج لصحيفة الغارديان

مارتن جليوف – صحفي يغطي منطقة الشرق الأوسط لصحيفة الغارديان.

في مقابلة له داخل السجن، تحدث قائد بغداد بتحدي عن تفاصيل حملته الدامية التي خلفت أكثر من 100 قتيل، من بينهم أطفال.

لمدة سنة تقريباً، كان أبو عبد الله احد اكثر الرجال المطلوبين في بغداد، كان يعرف بين رؤسائه داخل داعش بأنه “المخطط” – الرجل المسؤول عن تجهيز الانتحاريين لمهاجمة المساجد، والجامعات، ونقاط التفتيش والأسواق في جميع أنحاء العاصمة العراقية.

ان منزله الان عبارة عن زنزانة ضيقة في سجن شديد الحراسة في اطراف المدينة، وقد أمضى 11 شهراً في هذا المكان منذ اعتقاله، من هناك بين أبو عبد الله لصحيفة الغارديان دوره باعتباره الرجل المسؤول عن ارسال اكثر عدد من الانتحاريين في شتى أنحاء بغداد خلال فترة التمرد التي طالت لعشر سنوات.

يعتبر عبد الله احد أكثر السجناء حساسية بالنسبة للأمن العراقي، وقد استغرق تأمين الحصول على مقابلة معه إلى ثلاثة أشهر من المفاوضات مع مسؤولي الاستخبارات. عندما تم منح الإذن لمقابلته، لم يرغب عبد الله بإجرائها، لكنه ادعى أنه سيتحدث بحرية. خلال لقاء استمر لمدة 90 دقيقة، تحدث فيها عن دوره المفصل بأنه مهندس واحدة من اكثر حملات الارهاب وحشية في العراق.

وقال عبد الله انه اعد 15 تفجيراً قبل اعتقاله في تموز من العام الماضي، وصلى مع المفجرين في ساعاتهم الأخيرة قبل توجههم الى أهدافهم، ومن ثم يراقب من قريب عملية تفجيرهم لأنفسهم. لقد قدر بأن أكثر من 100 شخص قد لقوا حتفهم في الهجمات التي دبرها، اغلبهم من أفراد القوات الأمنية، كما كان ضمن الضحايا بعض المدنيين العاديين، في بعض الأحيان، بما في ذلك النساء والأطفال.

قال “كانوا يزوروني في ورشة العمل” عن غرفته التي لم يصفها وتخلى عنها الآن ليجلس وراء مجموعتين من الأبواب الحديدية في الضواحي الجنوبية لبغداد التي كانت لأكثر من سنة مركز القيادة الرئيسي لداعش في العاصمة العراقية. قال “التقيت بهم عند الباب، كنت أود التحية لهم، وانظر إليهم لمعرفة ما إذا كانوا مستعدين او لا” واضاف ” ثم نجلس للصلاة ونقرأ القرآن”.

ووفقاً لعبدالله، لم يحدث ان قام شخص بالاستسلام لفقدان أعصابه قبل تنفيذ المهمة. لقد نجح الكل على حد زعمه. “كنت اقوم بمساعدتهم على إصلاح الحزام الناسف، ومساعدتهم في إخفائه، لكي لا تكتشفه نقاط التفتيش. كنا نفعل ذلك احياناً في آخر لحظة”.

وخلال المقابلة، التي ظل خلالها عبد الله مكبل اليدين، تغيرت ردود فعله إلى حد كبير. في كثير من الأحيان كان صريحاً، ثم متردد وشارد الذهن حتى أمره أحد الحراس بالانفتاح والتحدث.

طوال العقد الماضي، أدينت السجون العراقية من قبل جماعات حقوق الإنسان كأماكن يتم فيها استخدام التعذيب بشكل روتيني على السجناء الأمنيين. جفل عبد الله عندما اقترب الحراس منه. وكان هناك سلسلة على قفص من البلاستيك بالقرب من باب الزنزانة. لم يكن يحمل أي آثار جسدية واضحة، وتبين انه يتلقى تغذية جيدة، وهذا كان امراً كما قال احد الضباط الكبار من الحكومة للحفاظ على جميع تغذية السجناء وضمان استمرار الكهرباء وعمل مكيفات الهواء. هزأ الضابط “هل يمكنك أن تتخيل هذا ،حياتهم أفضل من معظم الناس في بغداد” .

عندما غادر الحراس الغرفة بدا عبد الله أكثر ارتياحاً، والتحول بسرعة من الخضوع إلى التحدي. ؟” تم توجيه هذا السؤال له “ما هي رسالتك إلى الغرب؟”. صمت عبدالله لفترة وجيزة، ثم نظر نحو الباب لمعرفة ما اذا كنا وحدنا، واومض عينيه “الإسلام قادم. ما حققته الدولة الإسلامية في العام الماضي لا يمكن التراجع عنه. الخلافة امر حقيقي وواقعي “.

ادعى عبد الله، اسمه الحقيقي إبراهيم عمار علي الخزعلي، كان عضواً في داعش والجماعات السابقة منذ عام 2004. لقد كان طريقه هو الجهاد العنيف غير التقليدي. لقد ولد كمسلم شيعي، ومارس الطقوس الدينية الشيعية حتى أواخر التسعينيات عندما اعتنق الإسلام السني وتنصلها من تعاليم الطائفة المنافسة.وقال انه كان نشطاً في السنوات السابقة للمنظمة حتى عام 2007 عندما تم اطلاق النار عليه في الرأس خلال اشتباك مع القوات العراقية. كانت الندبات واضحة قرب أذنه اليسرى. تحرك ببطئ، مع الاخذ بعين الاعتبار القيود والسلاسل حول قدمية، كما أنه فقد بعض المهارات الحركية.

مهما كانت اصابته، يبدو ان تصميمه قد اشتد في السنوات الأخيرة. قال “بعد عام 2011 ، اصبحت مشغولاً مرة أخرى” واضاف ” أردت أن اعيش في دولة إسلامية تحكمها الشريعة. أريد كل شيء يريده داعش. أهدافهم أهدافي، وليس هناك فرق “.

قبل اعتقاله كان عبد الله  يتصرف “كوالي” أو أمير لبغداد. لقد عين في هذا الدور بعد فترة قصيرة من القبض على رئيسه السابق، أبو شاكر، المحتجز في سجن شديد الحراسة في بغداد. وقد أدت عمليات الاستجواب الى تفكك الكثير من شبكات داعش التي كانت المدينة في قبضته مع تصاعد العنف بين عامي 2011 و 2013.

ومنذ ذلك الحين، أظهر قادة داعش قدرتهم على إعادة تنظيم انفسهم، ولكن حتى خلال زيارة الجارديان إلى السجن، تم الحصول على أسلحة كثيرة مدفونة تحت التراب والخضار في مزرعة جنوب بغداد من قبل شرطة مكافحة الإرهاب، التي وضعت أمام قاعدتهم في نفس المجمع.

حزام ناسف استولت عليه الشرطة من احد اعضاء داعش قبل أن يتم تفجيره. صورة: سام تارلنج / الجارديان
حزام ناسف استولت عليه الشرطة من احد اعضاء داعش قبل أن يتم تفجيره. صورة: سام تارلنج / الجارديان

 في الردهة المؤدية إلى غرف الضباط، توجد صور معلقة لاشخاص متهمين بالإرهاب في لحظة إلقاء القبض عليهم إلى الحائط.  كما تم وضع حزام ناسف تم تفكيكه في زاوية وراء الباب. تم وضع هذا الحزام الناسف في أكياس بلاستيكية كأدلة بعد اعتقال قادة داعش. في مكان قريب، انحنى رجل معصوب العينين حافي القدمين بصمت على الحائط ويداه مقيدتان أمامه. حتى الآن، مع احتمال تلقيه الإعدام كعقاب، ينظر عبد الله إلى الناس الذين ساعد على قتلهم كأهدافاً مشروعة يمكن أن يبرر قتلهم بسهولة.

قال “معظم الناس الذين قتلوا كانوا اهدافاً صحيحة، ام الذين ذهبت ارواحهم في الهجمات من غير قصد فسوف يتقبلهم الله” واضاف “هناك مرة واحدة فقط اندم عليها، اذ اخذت شهيد إلى سوق في الكاظمية، وفجر نفسه بالقرب من النساء والأطفال، لقد افزعني هذا، لكنني اصبحت هادئاً حول هذا الموضوع في اليوم التالي؟ كنت اعلم ان هذا سيكون صحيحاً مع أيديولوجيتي، واستمر اليوم بشكل عادي”!

قال ان مهامهُ التنفيذية انتهت بالقبض عليه، وانه سيستخدم الوقت الذي يسبق إعدامه الذي لا مفر منه بالتحدث علناً ​​عن معتقداته. عندما سألتهُ على الندم، لجأ مرة أخرى الى المراوغة. وبعد تهكم آخر من الحارس، قال ” لقد فعلت كل شيء وفقاً لمعتقداتي. أنا لا أريد أن أتحدث عن الندم، ولا أريد أن أتحدث عن عائلتي “.

قال الضابط المسؤول عن احتجازه ، جنباً إلى جنب من غيره من القادة المزعومين لداعش: “إنه شخص ايديولوجي، ولكن هناك آخرون أكثر أيديولوجية منه”. واضاف ” لقد غنى مثل الطائر في اليوم الأول. وبعد ذلك، حاول إقناع الآخرين بأن يفعلوا الشيء نفسه. لقد ذهب لاجراء محادثات مع رجل يدعى أبو تحسين، وهو شخص اقل مرتبة منه، ولكن أبو تحسين هاجمه. هؤلاء هم الناس الذين نحتفظ بهم هنا. “

في ورشة العمل، حيث تم التخطيط للكثير من المذابح في بغداد، قال جار عبد الله انه ولأكثر من عام لم يشتبه بشيء عن الرجل المحترم الهادئ الذي كان يلقي التحية علية عدة مرات في الأسبوع. قال ” ولكن لا شيء يفاجئني في هذه المدينة؟ لا شيء  واضاف ” لن اصاب باي صدمة في حياتي بعد الان. هذا ما يفعله العيش في هذا البلد”.


شاركت في التغطية ميس البياع.

المصدر:

http://www.theguardian.com/world/2015/aug/31/isis-mastermind-15-suicide-bombers-baghdad-islamic-state