مقداد الجباري – نورمان ريكليف – روبرت تولاست

في بداية التسعينيات، كتب الصحفي الأمريكي ألفريد هنري لويس جملته الشهيرة بأن هناك تسعة وجبات فقط بين الرجل والثورة. في الوقت الذي تنخفض فيه الموارد المائية المتاحة للإنتاج الزراعي بشكل حاد في جميع أنحاء الشرق الأوسط ، الا اننا نتجاهل ما لاحظه لويس والخطرالمحدق بنا.

ان حوض نهري دجلة والفرات، اللذان يغذيان سوريا والعراق، يجفان بسرعة هائلة. تكافح هذه المنطقة الشاسعة بالفعل لدعم عشرة ملايين شخص على الاقل من النازحين بسبب الصراع الدائر حالياً وقد تزداد الأمور سوءاً في وقت قريب، حيث يقترب العراق من الوصول إلى نقطة الأزمة.

علاء المرجاني- رويترز (فتاة عراقية مع قطعان الجواميس في نهر الفرات في النجف، جنوب بغداد، 6 اذار 2014.)
علاء المرجاني- رويترز (فتاة عراقية مع قطعان الجواميس في نهر الفرات في النجف، جنوب بغداد، 6 اذار 2014.)

لفهم العواقب، لا نحتاج للنظر إلى ما أبعد من سوريا، على الرغم من ان الإجهاد المائي ليست السبب الوحيد للصراع هناك، الا انه ساعد بِلا شك على تأجيج الحرب الأهلية. بحلول عام 2011، دفع فشل المحاصيل بسبب الجفاف ما يصل الى 1.5 مليون مزارع إلى التخلي عن أراضيهم وأصبح النازحين منبع المجندين للجيش السوري الحر ومجموعات مثل داعش وتنظيم القاعدة. وتشير الشهادات التي جمعها الصحفيون والناشطون في مناطق النزاع الى أن عدم مساعدة الحكومة خلال فترة الجفاف كان عاملاً محفزاً ورئيسياً في التمرد ضدها. وعلاوة على ذلك، أظهرت دراسة 2011 ان معاقل المتمردين اليوم في حلب، ودير الزور، والرقة كانت من بين المناطق الأكثر تضرراً من فشل المحاصيل. وبعبارة أخرى، قد غيرَ الجفاف المشهد الاقتصادي، والاجتماعي، والسياسي لسوريا، وقد يكون العراق، الذي يعاني بالفعل من داعش والتوتر الطائفي، أن يكون البلد القادم الذي سيتأثر بأزمة المياه.

العطش في سوريا

قبل اندلاع الاحتجاجات المناهضة للحكومة في سوريا عام 2011، علم المراقبون بالآثار الخطيرة الناجمة عن فشل المحاصيل. في عام 2006، توقعت برقية مسربة من وزارة الخارجية الامريكية بأن  “أزمة المياه الناشئة قد تسبب التذبذب الاقتصادي الشديد وحتى الاضطرابات الاجتماعية والسياسية.” تعمل هذه البرقية بمثابة تحذير واضح.

على الرغم من خسارته 1.6 مليون طن من الحبوب إلى داعش واستهلاك 2.5 مليون طن أكثر من الذي يمكن أن ينتج، يخطط العراق ليصبح مصدراً للحبوب بحلول عام 2017. ويعكس هذا وبشكل وثيق الطموح السوري في ذلك الوقت في برقية عام 2006. في تلك السنوات، أعربت دمشق عن أملها في زيادة الإنتاج الزراعي كجزء من خطة التنويع الاقتصادي، وكانت سوريا قد ضاعفت بالفعل الأراضي المروية في السنوات الـ 15 السابقة، ومع الخطة الخمسية في عام 2006، يتوقع حدوث زيادات أخرى فيها. في البرقية، لاحظ مسؤولو السفارة أن خبراء الزراعة يعتقدون أن الطلب على المياه المتزايد في سوريا يفوق ما هو متوفر.

ربما كان من الممكن ان يكون التوسع الزراعي في سوريا متحكماً به ومستخدماً لأساليب الري الفعالة. لدعم الخطة الخمسية، خططت سوريا لزيادة الري بالتنقيط والطرق الأكثر كفاءة الأخرى، ولكن هذا كان طموحاً جدا بشكل اكثر من اللازم. أشارت برقية وزارة الخارجية بان الخبراء الزراعيين حذروا من أن المزارعين سيلاقون صعوبات في التكيف بسرعة مع التكنولوجيا الجديدة، وقد أثبتت صحة هذا التوقع فيما بعد. والأسوأ من ذلك، بمجرد البدء بتنفيذ الخطط، تعرضت سوريا للجفاف الشديد.

مظفر سلمان – رويترز (احد اعضاء لواء “أحرار سوريا” التابع للجيش السوري الحر يبرد نفسه في نهر الفرات في الريف الشرقي من حلب، 18 اب 2013.)
مظفر سلمان – رويترز (احد اعضاء لواء “أحرار سوريا” التابع للجيش السوري الحر يبرد نفسه في نهر الفرات في الريف الشرقي من حلب، 18 اب 2013.)

بحلول عام 2011، انخفضت غلة القمح بنسبة تزيد على 50 في المئة، ومات الكثير من المواشي في البلاد، وهذا اثر على مئات الآلاف من العاملين الميدانيين والمزارعين. ونفذ مخزون الطوارئ من القمح ، وبالنسبة للبعض، فإن الخيار الوحيد المتبقي هو الانضمام إلى المتمردين، كما كتب الصحفي توم فريدمان.

إذا كان كل ذلك يبدو مثيرة للقلق، وانظر الى حوض نهري دجلة والفرات  بحلول عام 2025 حيث يكمن أن يكون تحت ضغط اكبر بثماني مرات من الضغط الذي كان عليه في عام 2011. وبحلول عام 2040، قد لا تصل هذه الأنهار العظيمة إلى البحر.

سيكون الوضع اكثر بساطة اذا كان هذا نتيجة لتغير المناخ، والذي يعتبرعاملاً رئيسياً، ولكن هذا ليس السبب الرئيسي، ان السبب الرئيسي الآخر هو احتكار المياه من جانب واحد من قبل تركيا، التي تعد موطناً لمنابع نهري دجلة والفرات، على حساب 60 مليون شخص فى اتجاه مجرى النهر، ان الدور الذي تلعبه تركيا في العراق وسوريا وانعدام الأمن المائي يثير القلق، ولكن خلافاً لتغير المناخ، ان هذه المشكلة على الاقل يمكن معالجتها في المدى القريب، ويجب أن يحدث هذا قبل وقوع الضرر على النسيج الزراعي والاجتماعي في العراق، الذي سيصبح لا رجعة فيه .

حرب المياه

بين عامي 1975 و 1991، هددت سوريا والعراق تركيا في ثلاث مناسبات باجراء عمل عسكري (وفي مناسبة هددا بعضهما البعض) حول انخفاض تدفقات الأنهار بسبب السدود في تركيا. توقفت المفاوضات، وبدأت العلاقات بين الدول بالتقلب. ومنذ ذلك الحين، زاد تغير المناخ والنمو السكاني من الضغط الشديد على المياه العذبة الإقليمية، مما زاد من تأثير بناء السدود على النهرين.

اليوم، على نهر الفرات، قلل سد أتاتورك التدفقات الإجمالية للعراق الى الثلث، وستزيد مشاريع السدود التي ستكتمل قربياً في سدود اليسو وسيزر من تدفق نهر دجلة بنسبة 50 في المئة. وبعد تصاعد الانتقادات لمشروع اليسو، منعت النمسا، وألمانيا، وسويسرا ضمانات قروض التصدير الخارجية للهيكل، ومع ذلك، مضت أنقرة قدماً في المشروع.

ان التنفيذ الكامل لخطة GAP التركية الطموحة، والتي تهدف إلى استغلال أنهار تركيا للري وتوليد الكهرباء في جنوب شرق الأناضول، يمكن أن يقلل من تدفق نهر الفرات إلى العراق بنسبة 80 في المئة. الآن، نرى أن العراق يعتمد على نهري دجلة والفرات بأكثر من 90 في المئة للحصول على المياه العذبة، ويمكنك أن تتخيل التداعيات المحتملة لخطة GAP على الإنتاج الزراعي في العراق.

في حين تمكنت المملكة العربية السعودية وروسيا من التوسط لتقليل التوترات بين الدول الثلاث في سبعينيات القرن المنصرم، يكمن التحدي اليوم في عدم وجود قوى دولية أو إقليمية على استعداد لإجبار هذه الدول على العمل معاً ، ووفقاً لمبادرة التضامن مع المجتمع المدني العراقي، لم تؤدي نحو 40 مذكرة تفاهم بين العراق وتركيا حول تقاسم المياه في ذروة الجفاف في عام 2009 الى أي تقدم ملموس تقريباً.

على الرغم من أن الاتفاقيات القائمة بين سوريا وتركيا تنص على السماح بمرور 500 متر مكعب في الثانية، 46٪ منها يذهب إلى العراق، يمكن لتدفقات الصيف ان تكون أقل بكثير. ووفقاً لجاسم الأسدي، وهو عالم هيدرولوجي مع “طبيعة العراق”، في الوقت الذي يصل فيه الفرات الى الناصرية في جنوب العراق، يكون الحد الأدنى هو 90 متر مكعب في الثانية للاستخدامات المحلية، والصناعية، والزراعية. في بعض الأحيان، يمكن أن يكون التدفق منخفضاً لدرجة انه يصل الى  18 متر مكعب في الثانية، لذلك ليس من المستغرب أن تنحسر المستنقعات والاهوار بسرعة، وقبل بناء السدود الكبرى في السبعينيات، كان متوسط ​​تدفق المياه في نهر الفرات حوالي 720 متر مكعب في الثانية. الأن، يبلغ متوسط تدفق المياه 260 متر مكعب في الثانية عند دخول النهر الى الاراضي العراقية.

في كربلاء، يأس المزارعون ويقال انهم يفكرون في التخلي عن أراضيهم. اما في بغداد، تعتمد أفقر الأحياء على الصليب الأحمر للحصول على مياه الشرب. وفي بعض الأحيان، يزود الصليب الأحمر أكثر من 150،000 لتر يومياً. جنوباً، بدأت المستنقعات والاهوار، أكبر الأراضي الرطبة في منطقة الشرق الأوسط، بالجفاف مرة أخرى بعد إعادة غمرها بالمياه بعد الاطاحة بصدام حسين. وكذلك في الجبايش، وهي بلدة في الأراضي الرطبة والتي زارها احد كتاب هذا المقال مؤخراً، بدأت الجواميس والأسماك بالموت. حالياً تدعم الزراعة 60،000 الف شخص على الاقل ويواجه هؤلاء ومئات الآلاف من الاخرين صعوبات كبيرة بسبب استمرار موارد المياه بالانخفاض.

شمالاً، يعني عدم الاستقرار، بسبب الانهيار الزراعي، أن قطاعات واسعة من الفرات وعدة سدود كبيرة تقبع الآن تحت سيطرة داعش. ان انخفاض تدفق المياه من السدود ووسائل الري غير الكفوءة يعني أن الموارد المائية في مستويات كارثية. ويعرض الصراع النشط بين حزب العمال الكردستاني (PKK) وقوات الأمن التركية، الذي يمتد من سوريا الى كردستان العراق، مياه دجلة والفرات الى المزيد من الخطر. وقد هدد حزب العمال الكردستاني بضرب السدود التركية. إذا استمر هذا الوضع، وقد يكون الوصول الى قرار سياسي مستدام امراً مستحيلاً.

إقامة السدود على النهرين

ان القطاع الزراعي في تركيا يكافح الجفاف المستمر، كما هو الحال في العراق وسوريا. في موسم النمو 2013 ¬ 2014 انتجت البلاد 3.35 مليون طن من القمح، لكن انخفض ذلك الى 2.52 في 2014-2015. ترجمت الأمطار الاكثر من المتوقعة إلى لزيادة مقدارها 130،000 طن في موسم النمو 2015¬-2016- ليصبح المجموع 2.62 مليون طن. وسيتم تصدير الكثير من ذلك ليصل الوارد الى حوالي 1 مليار دولار والى 60 مليار دولار في القطاع الزراعي.

مثل المزارعين في كل مكان، يحارب المنتجين الاتراك الجفاف والمرض والأوبئة، وعدم كفاءة الري (التي تسعى أنقرة لتغييرها، خصوصاً مع مشروع GAP) ، والحصاد الذي يمكن ان يختلف بشكل كبير. كما في أماكن أخرى في المنطقة، تخلى بعض المزارعين عن أراضيهم. ولكن بينما تتحول الاراضي في العراق إلى اللون الرمادي الرملي في صور الأقمار الصناعية، اصبحت مناطق تركيا أكثر اخضراراً في الواقع، على عكس بقية دول المنطقة، لا تواجه تركيا حالة طوارئ على المستوى الوطني.

بالفعل، تمتلك السدود التركية، التي تبلغ اكثر من 140 سد، سعة تخزين اكبر من تلك التي توجد في المصب. وعندما يتم الانتهاء من مشاريع السدود التركية الجديدة في السنوات القليلة المقبلة، سيتم ارواء ما يقدر ب 1.2 مليون هكتار إضافية داخل تركيا، اكبر بثمان مرات مما يتم ارواءه اليوم. وهذا يعني أن تركيا ستمضي قدما في خطط زيادة الصادرات الزراعية بثلاث مرات تقريباً.

وفقاً لمؤشر الإجهاد المائي فيستر، ان تركيا معتدلة في شدد المياه، مصنفة في 779 من أصل واحد. العراق، في 974، وسوريا في 999 مما يعني ضغط شديد على المياه. وفقاً لبيانات عام 2011، تصنف تركيا بالمرتبة 46 عالمياً في توافر المياه العذبة، ليس تصنيفا جيداً، ولكن أفضل من 76 للعراق و 126 لسوريا. وبالمثل، وفقاً لبيانات البنك الدولي، لدى تركيا ما يقرب من ثلاثة أضعاف من نصيب الفرد من توافر المياه للعراق وعشرة أمثال لنظيره في سوريا. كما صنفت تركيا على نحو أفضل للاستثمار بكفاءة اكبر في استخدام المياه، مع ناتج محلي إجمالي اكبر بثمان مرات من العراق.

نظرا لصحية المياه النسبية في تركيا، قد يكون من المعقول أن نعتقد أنها ستتوقف عن بناء السدود على حساب جيرانها في دول المصب. بدلا من ذلك، فعلت تركيا العكس، فهي تخطط لإنجاز 1700 سد وقنطرة جديدة داخل حدودها.

يونس بيهراكس- رويترز (صورة لبلدة سوسز على الشاطئ الشمالي لسد أتاتورك، 10 تشرين الثاني 2014)
يونس بيهراكس- رويترز (صورة لبلدة سوسز على الشاطئ الشمالي لسد أتاتورك، 10 تشرين الثاني 2014)

عند الضغط على المسؤولين الأتراك، اجابوا بأن خطط الحكومة مبررة، نظراً إلى معاناة تركيا من الجفاف ايضاً، علاوة على ذلك لقد كانوا سريعين في الاشار الى ان استخدام العراق وسوريا غير الكفوء للمياه هو جزء من المشكلة. وهذا صحيح لان العراق يهدر الكثير من الماء، ولكن هذا هو الغالب نتيجة للبنية التحتية المكسورة وعدم كفاءة الري، وهذه هي تركة عقود من الحرب والدكتاتورية. وفي الوقت نفسه، تضررت البنية التحتية للنفط من قبل داعش، وتلوثت محطات معالجة الصرف الصحي المتحللة، وكثرة أعداد الآبار الخاصة التي حفرت خلال العقد الأخير من الحرب والتي أضرت بجهود الحفاظ على الطاقة.

باختصار، يحتاج العراق الى مساعدة وليس التوبيخ. ومع ذلك، إذا كان العراق يريد التوصل إلى اتفاق منصف مع تركيا ، عليه أن يبرهن على وجود التزام مستمر بالحلول المتكاملة للمياه.

ما الذي يجب القيام به؟                          

هناك أمل في حل الصراع على المياه بين تركيا والعراق وسوريا. تقدم المفاوضات السابقة بعض الدروس. كان الأردن وإسرائيل لمرة، في مفاوضات سرية (والآن العامة) حول الأردن وانهار اليرموك منذ الخمسينيات، وكانت هذه المحادثات ناجحة نسبياً لثلاثة أسباب:

الأول هو إشراك الوسطاء الدوليين. في عام 1987 خططت الأردن وسوريا إلى بناء سد على نهر اليرموك، ولكن إسرائيل احتجت على ذلك. وبما أنها هاجمت بالفعل موقع بناء سد سوري في عام 1967، عرف جميع الأطراف أن الأمور قد تتصاعد بسرعة. دعت الاردن واسرائيل الولايات المتحدة للمساعدة، وتوسط ريتشارد أرميتاج، الذي كان مساعداً لوزير الدفاع. وتم إنشاء الأساس لاجراء مزيد من المحادثات، وفي نهاية المطاف، وقعَ الجانبان العديد من الاتفاقيات، وآخرها هو ترتيب مياه البحر الأحمر- البحر الميت، وهو تعهد لبناء قناة من شأنها أن توفر المياه الصالحة للشرب إلى الأردن، وإسرائيل، و الاراضي الفلسطينية، واستقرار منسوب مياه البحر الميت، وتوليد الكهرباء.

ان الدرس بالنسبة لتركيا، والعراق، وسوريا واضح، على الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أن يكونا مستعدان للتدخل. على سبيل المثال، وضع الاتحاد الأوروبي  مليار دولار سنوياً جانباً في شكل مساعدات “ما قبل الانضمام” لتركيا حتى عام 2020، و استخدمت الولايات المتحدة ولفترة طويلة التعاون الأمني ​​مع تركيا لكسب النفوذ السياسي الأوسع. وفي الوقت نفسه، اظهرت حكومة العبادي في العراق مراراً وتكراراً نفسها بأنها ستكون أكثر استجابة لمطالب الولايات المتحدة حتى الآن مما كانت عليه حكومة المالكي، وقد قامت كل من تركيا والعراق بتحقيق نجاحات دبلوماسية بشأن ازمة داعش. لذلك، فان هناك مجال من أجل النفوذ والبناء.

الثاني هو الكفاءة، استثمرت كل من الحكومتين الإسرائيلية والأردنية وشجعت استخدام أكثر كفاءة للمياه، والحد من التوترات بين البلدين عندما يضرب الجفاف الشديد، كما حدث في عام 1999. وفي حالة نظام نهر الفرات ودجلة، شاركت جميع الدول الثلاث الكبرى على طول حوض النهر في ممارسات الزراعية غير فعالة للغاية، ولم يبذلوا محاولات كافية لتحسين الأمور. وبالنظر إلى الصراع في سوريا، فمن غير الواقعي أن نتوقع أي تحسينات هناك، ولكن تركيا تمكنت من زيادة الري بالتنقيط، وعلى العراق فعل الشيء نفسه.

إن أي خطة عراقية لزيادة الكفاءة ستتطلب الاستثمار المتواصل في أحدث التقنيات، من الري بالتنقيط، لرسم خرائط تضاريس عالية الدقة، وحصاد المياه. ان تحلية مياه البحر، والتي ستزود 400،000 من سكان البصرة بالمياه في عام 2017، غير منتشرة حالياً على نطاق واسع إلا في البلدان التي لديها ناتج محلي إجمالي أضعاف حجم الناتج المحلي الاجمالي العراقي (أستراليا، إسرائيل، الإمارات العربية المتحدة، والولايات المتحدة). والاستثناء الوحيد هو الأردن، على الرغم من أن مشروع التحلية القادم هو مشروع إسرائيلي- أردني- دولي مشترك.

ثالثا: ان إنشاء لجان المياه المشتركة، مع تمثيل الدول من قبل الخبراء الذي يعد أمر ضروري لحسم قضايا تقاسم المياه. في حالة الأردن وإسرائيل، اقتربت هذه اللجان من التسوية من خلال اللقاء على أرض الواقع في نهر اليرموك في الجلسات المعروفة باسم “طاولة محادثات النزهة” التي مهدت الطريق لمفاوضات رفيعة المستوى في واشنطن في أوائل التسعينيات. دعت المعاهدة النهائية للسلام عام 1994 بين البلدين الى التعاون الدولي في الإشراف على تقاسم موارد المياه.

حاليا، هناك لجنة مشتركة شكلت من قبل العراق وسوريا، ولدى سوريا وتركيا واحده أيضا، ولكنها غير مدعومة بالقدر الكافي من قبل الحكومات الوطنية. وقد عقدت الحرب الأهلية السورية واستيلاء داعش على الموارد المائية الواسعة من مهمة هذه اللجان. ومع ذلك، فإن اللجان المشتركة للمياه هي المنصة التي يمكن أن تكون فعالة للتعاون المحلي والوطني والدولي والعمل مع المؤسسات الأكاديمية والبحثية، ومجتمع رجال الأعمال، والمنظمات غير الحكومية في عمليات إدارة المياه.

بسبب الوضع في سوريا، فمن الضروري أن تأخذ تركيا والعراق زمام المبادرة في إحياء هيكل لجنة المياه المشتركة. وعلى الرغم من أن تركيا تتحكم بمنابع نظام نهري دجلة والفرات، بينما يتأرجح العراق على حافة أزمة كبرى بسبب المياه، ان اقل ما يمكنه القول عن العلاقات السياسية بين البلدين ان البلدان يتناقشان الآن بشكل اكثر مما كانوا عليه خلال العقد الماضي، وان أزمة المياه المتفاقمة اعطت بعض الدفع لتنشيط الاجتماعات الثلاثية في الثامنينيات و التسعينيات وتوجت هذه الاجتماعات بالمعاهدة السورية التركية أضنة عام 1998، والتي ضمنت حصول سوريا على 500 متر مكعب من المياه في الثانية.

في جولة جديدة من المفاوضات، يمكن للعراق، ربما بمساعدة الاعانات الأجنبية أن يوافق على شراء بعض من الطاقة الكهرومائية من تركيا، في المقابل الحصول على المزيد من المياه من تركيا. في الماضي، تبادل العراق وتركيا الغاز لتوليد الكهرباء، لذلك فان هناك مثل هكذه خطة سابقا، أن مخطط التعاون من خلال تبادل المياه بالطاقة يتطلب مستوى عال من الوساطة الخارجية والتنسيق الدولي.

يمكن للأمم المتحدة وضع بعض الحدود على الطرفين. في العام الماضي، دخلت اتفاقية الأمم المتحدة لقانون الاستخدامات غير الملاحية للمجاري المائية الدولية حيز التنفيذ، مع بنودها الـ 35 بشكل مخيب للآمال، لم توقع بعض الدول في معظم المناطق المجهدة مائياً في العالم، بما في ذلك تركيا. ومع ذلك، فان تركيا من الدول الموقعة على اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل، التي تنص على أن الدول يجب ألا تقيد حق الطفل في الحصول على الغذاء والماء (المادة 24). بل هي أيضا من الدول الموقعة على الاتفاقية الدولية الخاصة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وقد منحت هذه المعاهدة حق الإنسان في الحصول على الماء وينبغي للمجتمع الدولي تذكير تركيا بتلك المسؤوليات، حتى وهي تمارس الضغوط على العراق لاستخدام المياه بأكبر قدر من الكفاءة. على وجه الخصوص، فإن هذا يستحق تخلص العراق التدريجي من الري بالغمر، وهذا يتطلب التركيز الهائل والحملات والاستثمار في التكنولوجيا الجديدة.

سباق الماء

وبالنسبة للعراق، ان هذا هو سباق مع الزمن، تعتمد الجدوى الاقتصادية على المدى الطويل في البلاد على الحد من الواردات الزراعية وإحياء الصناعة، وان هذا يحتاج الماء على حد سواء. كما أنها بحاجة للمياه لشعبها، ووفقا للبنك الدولي يفتقر 15 في المئة من الناس في العراق من الحصول على مصدر محسن للمياه. وأكثر من أي شيء، يحتاج هؤلاء للسلام، وهو شيء يقوض الإجهاد المائي. في العام الماضي، كان هناك خلاف بين محافظة ذي قار والبصرة المجاورة بشأن استخدام المياه. وفي الآونة الأخيرة، اتهمت الحكومة الكردية بحبس المياه مرة أخرى من نهر دجلة نتيجة للنزاع حول الميزانية مع بغداد.

الآن هو الوقت المناسب للمجتمع الدولي لجلب تركيا والعراق معاً للمساعدة في بناء إطار للتعاون المائي، والذي سيمكن من تطوير الزراعة المستدامة قبل انهيار الموارد المائية في العراق تماماً تحت وطأة اكتناز تركيا وعدم الكفاءة في العراق. ان تجاهل أزمة المياه العراقية هو تجاهل لصدع كبير آخر في منطقة الشرق الأوسط والذي يسجلب للعراق وجيرانه المزيد من الصراعات.


مقداد الجباري: هو استشاري موارد المياه وكان سابقا أستاذاً للعلوم وعلوم الأرض الزراعية في جامعة بغداد.

نورمان ريكليف: هو الرئيس التنفيذي للمجموعة الاستشارية في العراق وكان في السابق كبير مستشاري وزير الداخلية العراقية.

روبرت تولاست : هو محلل مستقل للشؤون العراقية متخصص في قطاعي الطاقة والتمويل والطيران.

المصدر:

https://www.foreignaffairs.com/articles/iraq/2015-08-23/rivers-babylon