لاندون شرودر

تمثل محاربة المملكة العربية السعودية لداعش التي نصبت نفسها كدولة اسلامية سيفا ذو حدين. فالامر لا يقتصر على التهديدات التي تواجهها المملكة من الإرهابيين على أراضيها، ولكن داعش يشكل خطرا على جوهر نظام المعتقدات في المملكة، كما أن لديه جذور تعود الى الإسلام الوهابي الذي يتم تدريسه في العديد من المدارس والمساجد السعودية.

في 18 تموز من هذا العام، أطلقت المملكة العربية السعودية عملية أمنية محلية واسعة الانتشار، والتي أسفرت عن اعتقال 431 شخصا متهمين بان لهم صلات مع داعش، ومن بين التهم التي وجهت لهم هي التخطيط لمهاجمة المساجد، والمباني الأمنية والحكومية، بالاضافة الى بعثة دبلوماسية لم يتم تسميتها.

تنظم عملية الاعتقال هذه الآن إلى قائمة متزايدة من الحوادث الأمنية التي لها علاقة بداعش، وتتضمن تعطيل مؤامرة لاستهداف السفارة الامريكية بسيارة ملغومة في شهر اذار، وقتل ضباط في الشرطة في نيسان، وتفجيران انتحاريان استهدفا مسجدان للشيعة في ايار. في حين استمرت هذه الحوادث بتسليط الضوء على قدرات التنظيم وطريقة عمله، الا أنها اصبحت تمثل تحدياً أساسياً أكبر لحكومة المملكة العربية السعودية، الا وهو كيفية محاربة داعش في وقت واحد في الداخل والخارج.

ويعتبر ذلك مهمة شاقة نظراً لعدد المقاتلين السعوديين الأجانب في العراق وسوريا، والذي يبلغ عددهم وفقاً للتقديرات الصادرة عن المركز الدولي لدراسة التطرف والعنف السياسي (ICSR) بين 1500 و 2500 فرد – جعل هذا السعوديين ثاني أكبر مجموعة من المقاتلين الأجانب على أرض الواقع مع داعش من بعد التونسيين.

سيعود بعض هؤلاء المقاتلين حتماً إلى المملكة العربية السعودية، وسيتطلعون إلى تأسيس خلايا إرهابية محلية عن طريق نشر رسائل في المساجد وعلى شبكة الانترنت. ولا تزال هذه استراتيجية أساسية لزعيم التنظيم أبو بكر البغدادي، الذي يشير إلى المملكة العربية السعودية بولاية الحرمين، في إشارة إلى المواقع الإسلامية المقدسة في مكة المكرمة والمدينة المنورة.

صرح فيليب ستاك، المحلل الرئيسي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مؤسسة فيرسك مابلكروفت وهي شركة عالمية لتحليل المخاطر، للفايس نيوز. “لدى المملكة العربية السعودية أهمية دينية لطموحات البغدادي في الحكم على الخلافة الإسلامية”، “ادعى الولاية على ما سماه ولاية الحرمين في تشرين الثاني عام 2014، [مؤكدا] اتجاهه للمجهاديين في المملكة العربية السعودية.”

هذه لن تكون المرة الأولى التي تواجه فيها المملكة العربية السعودية انتفاضة جهادية محلية. ففي عام 1979، استولى مسلحون على الكعبة في مكة المكرمة، ودعوا إلى الإطاحة بالحكومة السعودية. وفي الآونة الأخيرة، وبالتزامن مع غزو العراق من قبل قوات الولايات المتحدة في عام 2003، أطلق تنظيم القاعدة العنيف تمرداً لمدة ثلاث سنوات استهدف فيها قوات الأمن، والغربيين، والمسؤولين الحكوميين.

تمكنت الأجهزة الأمنية في المملكة العربية السعودية في نهاية المطاف من وضع حد للتمرد الذي يقوده تنظيم القاعدة من خلال مزيج من عمليات مكافحة الإرهاب المبتكرة، مثل نشر أسماء عناصر تنظيم القاعدة في الصحافة، ومحاولة إعادة تأهيل المجهادين من خلال إعادة تربية دينية واسعة النطاق.

ولكن داعش ليس تنظيم القاعدة، وان عدد السعوديون المشاركون الآن والموارد المتاحة لهم – سواء من حيث التمويل المالي والنداء الشخصي – قد تجاوز ما كان متاحاً لتنظيم القاعدة في اي زمن. ان جود داعش على الجانب الآخر من الحدود في العراق، وبدرجة أقل في اليمن، يشكل أيضا تحدياً فريداً من نوعه في ما يتعلق باحتواء انتشار التطرف داخل المملكة العربية السعودية.

وعلى الرغم من أن الهدف بقى نفسه وهو إسقاط الحكومة السعودية ، الا ان الاستراتيجيات المستخدمة من قبل داعش تطورت، حيث تركز الآن على شن نفس النوع من الهجمات الطائفية التي استخدمت في العراق وسوريا، واليمن، مثل استهداف مساجد الشيعة.

صرحت غيداء هيتوا، من اي-استراتيجيك، وهي شركة استشارات للمخاطر السياسية، لفايس نيوز، في اشارة الى احد المرحلتين التي يعمل من خلالها داعش: “رغم الإرهاق، في السعودية، الا ان داعش بالتأكيد في بداية المرحلة الأولى” . “في هذه المرحلة، لن تساعد  حادثة معينة من [الإرهاب] في تحقيق هدف معين، ولكن مجموع عدة حوادث … وتدريجيا، من وجهة نظر التنظيم، ستؤدي إلى انهيار النظام”.

من خلال الانخراط في هذا النوع من الهجمات الطائفية، يتبع داعش على نهج معروف، والذي يهدف الى محاولة الايقاع بين الشعب الذي يقومون بمهاجمتة وبين الحكومة التي من المفترض عليها أن تحميهم. بذلك، يأمل داعش في تعزيز تواجده في المملكة العربية السعودية من خلال جعل الحكومة تبدو ضعيفة وغير فعالة. ونظرا لاتساع نطاق عمليات الاعتقال في 18 تموز، من الواضح أن هناك تخوف متزايد بشأن اختراق داعش لداخل المملكة العربية السعودية. واضافت هيتوا ان “دعم داعش يزداد في [المملكة العربية السعودية]”.

ومع ذلك، ينبع هذا الدعم من واقع اكثر واكبر من الحالة الاجتماعية والسياسية، ويسبب هذا الدعم خطر كبير للاستقرار على المدى الطويل. تنشأ المبادئ الأساسية لنظام الاعتقاد في داعش، والتي تشمل كراهية الشيعة، والإعدام بتهمة الردة والزنا، من التعاليم الدينية للوهابية التي اقرت بشرعية الحكومة السعودية. بشكل أكثر تحديدا، ان فكرة قتل المرتدين والزنادقة، والجمع بين ذلك مع فكرة أن أي مسلم متدين يمكن أن يرى شخص آخر غير نقي أو غير مسلم، وبالتالي مرتدا، وبالتالي عرضة للإعدام في عين المكان .

بالنسبة للأشخاص الذين حصلوا على التعليم الديني في هذه المدارس والمساجد السعودية، فإن القيام بالخطوة التالية نحو المذاهب المتطرفة التي تبناه داعش لن تكون واحدة ضخمة. وقد وضع هذا الحكومة السعودية في موقف حرج. صرح أخيل شاه، وهو مكافح للإرهاب ومحلل السياسة الخارجية في معهد شؤون الخليج، لفايس نيوز.

“عليك ان تنظر في المبادئ الأساسية للوهابية وأنت تنظر في المبادئ الأساسية التي تبناها داعش، ستجد أنها هي نفسها بالضبط”، ” تعطي مجموعات مثل داعش هوية للشباب السعودي ، بل ان هذا يحدث داخل نفس النظام الأيديولوجي، والاطار الديني.”

لذلك، لتقويض الأساس الأيديولوجي لداعش، على المؤسسة الدينية السعودية القضاء على المذاهب التي تدعم سلطتهم والمتطابقة تقريبا مع مهذب داعش، وبالتالي، التعرض لمخاطر تقويض شرعية الحكومة السعودية بأكملها. وقد ترك هذا السعوديون مع عدد قليل من الخيارات، مثل المصالحة مع الاقلية الشيعية، أو الحد من تأثير الإيديولوجيات الدينية التي قد تشبه ايديولوجية داعش. يسدعم كلا هذين الخيارين اهداف داعش، الذين يدعون أن الحكومة السعودية ليست فاسدة فحسب، ولكنها تمثل خطر للدين.

واضافت هيتوا “ان داعش جماعة محرفة مع هدف سياسي واضح”، واضافت  “انهم مندفعين إلى تصحيح الماضي المهين … على أيدي الكفار وعملائهم ، ويعتبرون السلطة السعودية دمية أمريكية “. بالنسبة للبعض في المملكة العربية السعودية، فتم هذا هو الحافز اللازم للبحث عن ودعم داعش.

ان الظروف اللازمة لازدهار داعش في المملكة العربية السعودية في الوقت الراهن هي دون المستوى الأمثل، حيث يميل التنظيم إلى أن العمل في مناطق غير محكومة في دول فاشلة مثل سوريا، والعراق، واليمن، وان الحكومة السعودية بعيدة عن الانهيار في الوقت الراهن. ومع ذلك، من أجل ان تتحقق رؤية داعش في الخلافة بالكامل، يجب عليهم ان يكافحوا من أجل السيطرة على العاصمة الروحية للإسلام، أو ولاية الحرمين. وهذا يعني أن الإرهاب والتمرد الذي يعصف حاليا في الشرق الأوسط لم ينته بعد في المملكة العربية السعودية.


لاندون شرودر|مستشار الأمن متخصص في تقييم التهديد والمخاطر العالية، والبيئات المعقدة، وقد أمضى السنوات العشر الماضية في العمل بين الشرق الأوسط وأفريقيا.

رابط المصدر :

https://news.vice.com/article/saudi-arabia-has-a-big-islamic-state-problem?utm_source=vicenewstwitter