اختتمت يوم الخميس 2015/5/14 اجتماعات القمة التي جمعت بين قادة مجلس التعاون الخليجي والرئيس الأميركي أوباما في منتجع كامب ديفيد. وتأتي هذه القمة وسط ظروف خطيرة تمر بها المنطقة. وعلى الرغم من التغطية الاعلامية لهذا الاجتماع الذي لم يحضره وبشكل مفاجئ العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبدالعزيز بالاضافة الى عدد آخر من أمراء وملوك البلدان الخليجية. إلا أن الاجتماع فيما يبدو-وظاهرياً على الأقل- لم يرقَ الى ارضاء التوقعات التي عول عليها القادة الخليجيون والمراقبون للعلاقات الخليجية-الأميركية. ويشير البيان الختامي* الذي نشره البيت الابيض إلى أن العلاقات بين الطرفين -وكنتيجة لهذا اللقاء- لم تصل الى وضع العلاقة الخاصة كالتي تربط واشنطن بتل أبيب أو تلك التي تربطها ببلدان أوروبا الغربية.

فيما كان اجتماع كامب ديفيد منعقداً، كانت قناة العربية السعودية تضع في شريطها الاخباري وضمن برنامج “بانوراما” عدداً من التعليقات تناولت انتقادات شديدة ضد سياسات الرئيس الأميركي أوباما فيما يتعلق بإيران، وسوريا، وحزب الله اللبناني واليمن. ووصفته بأنه كان متساهلاً إن لم يكن متخاذلاً أمام التمدد الإيراني في المنطقة. وقد عد هذا مؤشراً على أن السعوديين على الأقل لم يكونوا راضين عن مسار المحادثات. وأن رغبتهم في أن يكونوا قائداً لمنظومة أمنية وعسكرية خليجية تصعد بعلاقتهم التي توصف بأنها خاصة مع الولايات المتحدة لتكون أكثر خصوصية بمستوى العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل لم تتحقق. وقد أكد ذلك بشكل نسبي التكهنات التي طرحتها وسائل الاعلام الأميركية حول عدم ارتياح العاهل السعودي لبرنامج لقاء كامب ديفيد. ولكن يبدو أن للعملة وجهاً آخر. إذ أن  التغييرات التي طرأت على قيادة العربية السعودية، ومن ذلك وجود مؤشرات تقارب الوضع الجديد في العائلة الحاكمة السعودية مع شخصيات دينية أكثر تطرفاً في الواقع السعودي قد أثار بعض التساؤلات لدى الإدارة الأميركية أو على الأقل بعض أجنحة صناعة القرار الأميركي في واشنطن حول مديات ومسار وتأثيرات هذا التقارب. فقد أبرزت وسائل الإعلام السعودية صوراً تجمع كلاً من العاهل السعودي وولي عهده الأمير محمد بن نايف برجلي الدين صالح اللحيدان وصالح الفوزان. ومن المعروف عن هذين الرجلين اللذين يعتبران من منظري المدرسة الوهابية أنهما يتبنيان أفكاراً طائفية متشددة ومعادية للديانات الأخرى، وقد قام اللحيدان في فترة سابقة باصدار فتاوى تحث على التحاق الشباب السعودي بالمعارك ضد الحكومة في العراق، اضطر الى تكذيبها لاحقاً، فيما اصدر فيما بعد فتاوى بنفس المضمون للقتال ضد نظام بشار الأسد. ويبدو أن هذه الصور قد أحرجت القيادة السعودية وقد تكون دخلت في قرار إلغاء حضور العاهل السعودي لقاء كامب ديفيد.

البيان الختامي

تظهر قراءة متأنية للبيان ومن خلال صياغته اللغوية أنه لم يأت بشيء جديد ينقل العلاقة الأميركية-الخليجية الى مستوى جديد، ونوعي، من التعاون غير الذي كان سائداً قبل سنوات. خاصة أن هذه البلدان ترتبط باتفاقيات تعاون أمني وعسكري ثنائي مع الولايات المتحدة. إذ أن المحاولة السعودية في نقل مستوى هذا التعاون الى مستوى تعاون بين الولايات المتحدة وكتلة مجلس التعاون تحت مظلتها لم تكلل بالنجاح هذه المرة على الأقل.

طغت عبارات “ناقش” و “أكد” و”بحث” و”استعرض” و”شدد” على البيان المشترك. وهي تعني من بين أمور أخرى أن وجهات النظر في تلك القضايا لم تكن متطابقة لتكون قراراً أو موقفاً مشتركاً.

وردت كلمة “قرر” مرة واحدة وجاءت في سياق مكافحة الإرهاب والتهديدات المشتركة، ووضعت عليها شروط مثل “حماية البنية التحتية الحساسة” و”تعزيز الامن الحدودي والجوي” و”مكافحة غسيل الاموال وتمويل الارهاب” و”اعتراض سبيل المقاتلين الاجانب” و”التصدي للتطرف العنيف في كافة اشكاله”، وهذه كلها تمثل –فيما يبدو- شروطاً أميركية واضحة تجاه سياسات بعض بلدان الخليج الداعمة والمساندة لحركات إرهابية ناشطة في المنطقة وتوصف بأنها سنية جهادية. كما وردت كلمة اتفق الطرفان مرتين، مرة تضمنت الالتزام بحل القضايا بشكل سلمي واحترام سيادة الدول وغيرها من أمور، والثانية انعقاد اجتماع على نفس المستوى مرة أخرى عام 2016. ويستبعد المراقبون انعقاد هذا الاجتماع نظراً لانشغال الواقع السياسي الأميركي في ذلك الوقت بالانتخابات الرئاسية الأميركية. ويبدو أن العلاقة الأميركية مع بلدان مجلس التعاون الخليجي ستبقى تتحرك في إطار العلاقات الثنائية بدلاً من إطار العلاقة الأميركية-الخليجية تحت قيادة العربية السعودية. أما كلمة “سيعملان” فجاءت مرة واحدة في البيان ضمن ذكر مواجهة الانشطة الايرانية المزعزعة للاستقرار في المنطقة.

تضمن البيان إشارات موجهة للقادة الخليجيين بأن الولايات المتحدة لن تكون داعمة لأية منظومة سياسية أو أمنية تتبنى الحلول العسكرية للصراعات الأهلية المسلحة في المنطقة. وأن الصراعات  ينبغي أن يتم حلها عبر الاساليب السلمية واحترام سيادة جميع الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية. بالاضافة إلى ايجاد صيغ للحكم الشامل في المجتمعات التي مزقتها الصراعات، وحماية جميع الأقليات وحقوق الإنسان. ويشير مراقبون إلى أن المقصود بهذه العبارات ليست إيران فقط بل هي موجهة الى البلدان الخليجية ومنها العربية السعودية سواء في وضع انظمتها السياسية أو في وضع دعمها للجماعات السياسية أو المسلحة التي تنشط في سوريا والعراق واليمن وليبيا. وتنتقد تقارير تصدرها وزارة الخارجية الأميركية سنوياً عن حقوق الإنسان، والحريات الدينية، وحقوق المرأة، العربية السعودية وبلداناً خليجية أخرى بسبب انتهاكات ضد حقوق الانسان وسياسات تمييز تمارسها على أسس طائفية أو عرقية أو دينية، وعدم وجود تمثيل حقيقي للمواطنين في صناعة القرار بالاضافة الى تهميش النساء. وينسجم ذلك مع تصريحات الرئيس الأميركي أوباما للصحفي توماس فريدمان في الشهر الماضي والذي قال فيها بأن الولايات المتحدة ستقف لدعم البلدان الخليجية السنية لحمايتها من أي اعتداء خارجي، لكن أخطر تهديد تواجهه تلك البلدان، ومنها العربية السعودية  ليس الغزو الايراني، “ولكن وجود نفور من قبل السكان، لديهم شباب عاطل عن العمل، وايديولوجيا مدمرة ورافضة لكل الديانات والأفكار الأخرى التي تختلف معها وفي بعض الحالات يوجد اعتقاد انه لا توجد أية أطر سياسية للنظر في المظالم.” (لقاء أوباما مع فريدمان، صحيفة نيويورك تايمز 2015/4/5).

فيما يتعلق بالعراق، فإن البيان المشترك أكد على دعم الحكومة العراقية في تصديها لداعش، ولكنه دعا في نفس الوقت الى احترام سيادة العراق، عدم التدخل في شؤونه الداخلية، عقد مصالحة وطنية حقيقية ومعالجة كافة “المظالم المشروعة” لكافة فئات الشعب العراقي، ووضع الجماعات المسلحة تحت سيطرة الحكومة.

اما الاتفاق المتوقع بين ايران ومجموعة (5+1) فقد أشار البيان الى أن “توقيع اتفاق شامل وقابل للتحقق منه، يعالج بشكل كامل المخاوف الاقليمية والدولية حول برنامج ايران النووي، يصب في صالح المصالح الامنية للدول الاعضاء بمجلس التعاون الخليجي وايضا الولايات المتحدة والمجتمع الدولي.” ويبدو أن السعوديين قبلوا على مضض الموقف الأميركي في هذا الصدد-رسمياً على الأقل-. فيما أكد البيان معارضة الطرفين للانشطة الايرانية المزعزعة للاستقرار في المنطقة وأنهما سيعملان على مواجهتها. وقد شدد على “حاجة ايران للانخراط في المنطقة وفقا لمبادئ حسن الجوار والالتزام الصارم بعدم التدخل في الشؤون الداخلية واحترام سلامة الاراضي بما يتفق مع القانون الدولي وميثاق الامم المتحدة، واتخاذ خطوات عملية وملموسة لبناء الثقة وحل خلافاتها مع دول الجوار عبر الوسائل السلمية.” ولا يمكن تحديد من خلال صياغة العبارات طبيعة تلك الأنشطة المزعزعة للاستقرار ولا مديات العمل على مواجهتها، وهل ستكون بشكل منسق ومشترك أم لا.

لم تحصل العربية السعودية وقطر –فيما يبدو- على دعم لسياستها المتمثلة في تشجيع تدخل أميركي مباشر لاسقاط نظام الأسد. حيث أوضح البيان التزام القادة بمواصلة العمل من أجل التوصل إلى حل سياسي مستدام في سوريا ينهي الحرب ويؤسس حكومة شاملة تحمي كافية الأقليات العرقية والدينية وتحفظ مؤسسات الدولة. مع التأكيد على فقدان بشار الأسد الشرعية بأكملها وأنه ليس له دور في مستقبل سوريا. وتوفير الدعم بقوة المزيد من الجهود الرامية لتدمير “داعش” في سوريا نهائيا والتحذير من تأثير الجماعات المتطرفة الأخرى، مثل جماعة “النصرة”، التي تمثل خطرا على الشعب السوري والمنطقة والمجتمع الدولي. حيث يبدو أن وضع “جبهة النصرة” كان المقصود منه توجيه رسالة أميركية إلى البلدان الخليجية بعدم التورط في توفير دعم لها. بالاضافة إلى التأكيد مرة أخرى على حماية الأقليات العرقية والدينية في سوريا.

فيما يتعلق باليمن، فقد أعطى البيان أولوية لمكافحة تنظيم “القاعدة في شبه جزيرة العرب” بشكل جماعي. ومن ثم جاء ذكر الانتقال السريع من العمليات العسكرية الى عملية سياسية، ويبدو أن العربية السعودية كسبت مباركة أميركية لرعاية جهود المصالحة اليمنية من خلال “مؤتمر الرياض.” جاء ذكر “عاصفة الحزم” في البيان، على الرغم من أنها قد انتهت رسمياً على المستوى السعودي. حيث اشار البيان إلى أن بلدان مجلس التعاون ستتشاور مع الولايات المتحدة حين يتم التخطيط لاتخاذ اجراء عسكري يتجاوز حدود دول مجلس التعاون، وبصفة خاصة عندما يتم طلب المساعدة من الولايات المتحدة للقيام بمثل هذا الاجراء. وكما يفهم من النص أن الولايات المتحدة غير مستعدة لتقديم المساعدة في هذا المجال بشكل غير مشروط.

ما وراء البيان

توجد استحقاقات سياسية موجهة للحكومة العراقية، ينبغي أن تقرأ بتمعن. فالمصالحة الوطنية الحقيقية، وتسوية المظالم المشروعة ووضع الجماعات المسلحة تحت إطار الحكومة، يبدو أنها مواضيع سيتم التركيز عليها في الفترة القادمة أميركياً وخليجياً في التعاطي السياسي مع الحكومة العراقية. والعمل ضد الأنشطة الإيرانية المزعزعة للاستقرار في المنطقة قد يشمل العراق أيضاً.

أبرز البيان وجود ضعف استراتيجي لدى البلدان الخليجية مقابل إيران. فالنفوذ الإيراني المتزايد في المنطقة لا تمتلك تلك البلدان القدرة على كبحه مجتمعة. فطلب المساعدة من الولايات المتحدة في مجالات الاسلحة السريعة ومكافحة الارهاب والامن البحري والامن الالكتروني والدفاع ضد الصواريخ الباليستية يعكس ضعفاً استراتيجياً في قدرات وإمكانيات تلك البلدان على هذه المستويات. مع أن تلك البلدان تمتلك اسلحة ومعدات عسكرية حديثة.

على الرغم من أن بلدان مجلس التعاون تمتلك قوة سكانية لا بأس بها. إذ يصل التعداد الكلي للسكان فيها الى 25 مليون نسمة من المواطنين، أغلبهم من الشباب، إلا أن تلك البلدان لا تمتلك قوات عسكرية كافية للقيام بمهام عمليات برية تجعلها في حاجة شبه دائمة الى الاسناد الخارجي وتحديداً من الولايات المتحدة.

 لا يلاحظ على البيان وجود تطابق في الرؤى والمواقف بين الطرفين تجاه الكثير من القضايا. كما بين أن فكرة تعاون عسكري وأمني على مستوى أعلى بين الولايات المتحدة ومظلة مجلس التعاون تحت قيادة سعودية لن ترى النور قريباً.

تنظر الولايات المتحدة بقلق إلى النهج السعودي الجديد وبلدان الخليج الأخرى، وذلك يبدو من وجود عبارات تتعلق بسلمية الحلول، وحقوق الإنسان، ومواثيق الأمم المتحدة، وحماية الأقليات والجوانب الإنسانية في التعامل العسكري.

بشكل مختصر فإن هذه القمة هي استثنائية بلا شك، واستثنائيتها قد لا تكون في النتائج التي ستتمخض عنها، ولكنها تعكس بكل تأكيد وضعاً قلقاً تعيشه بعض بلدان الخليج في منطقة تشتعل فيها الحروب الطائفية وبشكل مستمر، أشعلتها سياسات الاستغلال السياسي لأطروحات دينية متطرفة تبنت التعصب على مدى عقود. ومحدودية القرار الأميركي في التأثير من حيث القدرة أو الإرادة. ويبدو أن هذه القمة لم تنجح في صياغة إطار معاهدة أو اتفاقية بين بلدان مجلس التعاون مجتمعة والولايات المتحدة تنقل مستوى التعاون بين الطرفين الى مستوى أعلى.


*البيان الختامي لقمة كامب ديفيد:

نص البيان الختامي