أعلنت وزارة الداخلية السعودية في 2015/5/22 قيام مواطن سعودي بتفجير نفسه وسط مصلين من الشيعة في حسينية الإمام علي (أطلقت عليها السلطات اسم مسجد الامام علي) أثناء صلاة الجمعة في قرية القديح في المنطقة الشرقية التي تسكنها غالبية شيعية. حيث قتل في التفجير 22 مصلياً وجرح العشرات. وقد تبنى تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) تنفيذ العملية. ويعرف عن التنظيم أنه يقود عمليات مركزة في العراق وسوريا ويحكم سيطرته على مدينتي الموصل والرمادي العراقيتين.

    ما يهم في خبر التفجير ليس فقط مقتل وجرح العشرات من السعوديين الشيعة، ولكن الأهم هو تمكن تنظيم داعش من تنفيذ عملياته داخل الأراضي السعودية. حيث اعلنت وزارة الداخلية السعودية بعد يومين من التفجير انها ضبطت خلية كان منفذ العملية الانتحارية في القديح ينتمي اليها، تضم 26 سعوديا، منهم مراهقون تتراوح أعمارهم بين 15 و16 عاماً. وهذه الخلية هي الثانية التي ترتبط بداعش وتعلن السلطات عن ضبطها خلال أقل من شهر، ويبدو أنها لن تكون الأخيرة. إذ أعلنت السلطات الأمنية السعودية في 2015/4/28 أنها فككت خلية ارهابية كبيرة ترتبط بتنظيم داعش أيضاً تتكون من 93 شخصاً (أغلب أعضائها من السعوديين). وذكرت السلطات أنها من خلال هذه العملية الأمنية قد أجهضت عملية انتحارية كان يعد لها ضد السفارة الأميركية في الرياض.

    المثير للانتباه أن الاستهداف لم يتحرك في أفق ضرب مؤسسة أمنية سعودية أو مرفق حيوي، بل استهدف مواطنين سعوديين شيعة. وحادث القديح ليس الوحيد من نوعه، فقد قام مسلحون وصفوا بأنهم مجهولون بقتل خمسة أشخاص وجرح تسعة آخرين من الشيعة السعوديين أمام حسينية في مدينة الاحساء في شهر تشرين الثاني/نوفمبر عام 2014. ولكن يرصد المراقبون تزامن تفجير القديح مع انباء تناقلتها وسائل إعلامية غربية عن أن العربية السعودية بصدد القيام بتنفيذ حكم الاعدام برجل الدين الشيعي المعارض الشيخ نمر النمر. وينتمي الشيخ النمر الى المنطقة الشرقية ذات الغالبية الشيعية والتي تم تنفيذ الاعتدائين فيهما.

   جاء رد الفعل السعودي الرسمي على الحادث باهتاً، حيث سجل المراقبون إصدار العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبدالعزيز بياناً يدين فيه التفجير بعد يومين من حصوله. وربما يعود ذلك إلى الارتباك الذي تعيشه المؤسسة الحكومية السعودية في التعامل مع الحدث، بالاضافة الى تعقيدات الوضع السياسي السعودي الداخلي الذي تحاول الادارة السعودية الجديدة توظيفه طائفياً، لتمرير استراتيجيتها الاقتحامية الجديدة في المنطقة ومنها حرب اليمن. وقد رصد المراقبون أن الإعلام السعودي الذي تسيطر عليه الحكومة تجنب ذكر كلمة “شيعة” عند اشارته لتفجير حسينية القديح.

    أثارت العملية الانتحارية في منطقة القديح، وأنباء تفكيك الخلايا الارهابية المرتبطة بداعش تساؤلات لدى المراقبين للشأن السعودي عن مديات تغلغل ونفوذ تنظيم داعش في النسيج الاجتماعي السعودي. فقد ذكر تقرير نشرته صحيفة واشنطن بوست الأميركية في شهر تشرين الأول/ اكتوبر 2014، أن عدد المقاتلين السعوديين الذين يقاتلون في سوريا في صفوف تنظيم داعش وصل الى 2500 مقاتل سعودي، بما يجعلهم الفئة الثانية من حيث العدد بعد التونسيين الذين وصل عددهم الى 3000 تونسي. أما مؤسسات أخرى مهتمة برصد القضايا الأمنية فقد قدرت عدد السعوديين الذين يعملون تحت إمرة البغدادي بأكثر من 7000 سعودي. ويبدو أن تنظيمات داعش، والنصرة ومن قبلهما القاعدة قد حققت نجاحاً كبيراً في استقطاب الشباب السعودي للانضمام الى صفوفهما.

    وقد نشر الجيش الأميركي عام 2007 ما أطلق عليها “ملفات سنجار”، وهي وثائق لتنظيم القاعدة عثر عليها الجيش الأميركي في منطقة سنجار آنذاك. وتسجل هذه الوثائق بالتفصيل حركة المقاتلين الأجانب الذين كان يجندهم تنظيم القاعدة للدخول الى العراق عبر الأراضي السورية للقتال في صفوفه. حيث شكل السعوديون ما نسبته 62% من العدد الكلي للمجندين، توزعوا ما بين مقاتلين وانتحاريين. ويبدو أن الاتجاه العام في تجنيد السعوديين حالياً، وانضمامهم الى تنظيمي داعش والنصرة في العراق أو سوريا ما يزال يسير على نفس الوتيرة إن لم يكن أشد. وعلى الرغم من تبني السلطات السعودية برنامج تأهيل طموح أطلق عليه “برنامج المناصحة والرعاية في مواجهة الفكر المتطرف” لمواجهة تجنيد الشباب السعودي في الجماعات الجهادية المتشددة، برعاية ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن نايف، إلا أن الأمور فيما يبدو لا تسير كما تم التخطيط لها أو ربما تسير باتجاه مختلف عما كان مقرراً لها. خاصة مع تكاثر الخلايا السعودية المرتبطة بتنظيم داعش. ويعزو المراقبون السبب إلى وجود بنية تحتية فكرية وعقائدية على المستوى الرسمي والاجتماعي تشجع على التطرف وتنسجم الى حد كبير مع الفكر الذي يتبناه تنظيم داعش وغيره من تنظيمات متطرفة. إذ تعد العربية السعودية من البلدان القلائل في العالم، إن لم تكن الوحيدة، من التي تشرعن التمييز على اسس طائفية، وتتبنى الهيمنة الفكرية والعقائدية لنظرية من نظريات التفكير المتطرف والاقصائي على المستوى الرسمي. بالاضافة الى تجربتها قبل ثلاثين عاماً في امداد المجاهدين الأفغان بالمقاتلين السعوديين في معاركهم ضد القوات السوفيتيية. يضاف الى ذلك مستويات التمويل السعودية الضخمة للجماعات المتطرفة العاملة في العراق والمنطقة، وتنامي مشاعر الحيف لدى المواطنين السعوديين، ونظرتهم الى سوء توزيع الثروة، والتناقضات في الممارسات. وبالتالي بقصد أو من دون قصد فقد خلقت العربية السعودية ارضاً خصبة لبناء جيل من السعوديين ينتمون طواعية للقتال ضمن تنظيمات ارهابية، ولديهم استعداد للانتحار وتحت عناوين دينية.

    وتأتي انباء نجاح تنظيم داعش في نشر خلاياه في الداخل السعودي مع تبني العربية السعودية لسياسة اقتحامية جديدة ومثيرة للجدل في المنطقة، وتورط متزايد لها في حرب اليمن. ومن ذلك تبنيها خطاب طائفي أكثر تشدداً. يذكر أن تنظيمي القاعدة في جزيرة العرب وداعش قد قاما بتنفيذ عدة اعتداءات دموية ضد الحوثيين في اليمن، التي تشن العربية السعودية هجمات جوية مكثفة ضدهم. وكان آخر تلك الاعتداءات، تفجير لمسجد يؤمه الحوثيون في صنعاء بعد يوم من تفجير القديح حسبما ذكرت وكالات الأنباء. فيما شنت نفس التنظيمات هجمات دموية ضد مساجد للحوثيون في 2015/3/22 في صنعاء، ومنها مسجد البدر. حيث راح ضحية تلك الهجمات المئات وقتل فيها أحد مراجع المذهب الزيدي. وحصلت التفجيرات قبل خمسة ايام من انطلاق عمليات ما أطلق عليه “عاصفة الحزم” السعودية ضد الحوثيين في اليمن.

    ويطرح تفجير القديح تساؤلات عن الآثار التي بدأت تتركها الاستراتيجية السعودية الجديدة في المنطقة وفي الداخل السعودي. وتثبت أن الوضع السعودي الداخلي يبقى هشاً وغير بعيد عن مساحة تأثير الجماعات الإسلامية التي تتبنى التطرف منهجاً في التفكير والعمل. كما تطرح تساؤلات عما اذا تم وضع المجموعات المتطرفة كجزء من استراتيجية العربية السعودية الجديدة، أو وجود جيوب في داخل الأجهزة السعودية الرسمية تنسق مع أو تستفيد من تنظيم داعش كورقة تأثير سياسي في هذا الموقع أو ذاك.

إن توجه تنظيم داعش  لاستهداف الشيعة في العربية السعودية قد يتحرك في افق الاستفادة من التعبئة الطائفية التي قامت بها الحكومة في الأشهر الماضية، وبالتالي فإن التنظيم يسعى فيما يبدو للحصول على موطئ قدم أكبر في مواقع التطرف الديني في السعودية وركوب موجة الشد الطائفي الذي صنعته السياسة السعودية الجديدة في المجتمع السعودي. ويضع ذلك الحكومة السعودية أمام معضلة حقيقية، إذ أن الفصل بين الخطاب الرسمي السعودي سياسياُ ودينياً وبين الخطاب والفعل الذي تتبناه تنظيمات داعش، والنصرة والقاعدة في جزيرة العرب يبدو أمراً صعباً إن لم يكن مستحيلاً في ظل السياسات التي تتبناها الحكومة السعودية الحالية.  خاصة أن الخطابين ينسجمان الى حد كبير في أغلب الخطوط العامة ولا يمكن التفريق بينهما للمواطن العادي. وبالتالي فإن القيادة الجديدة للعربية السعودية تجد نفسها أمام تحد كبير لتغيير خطابها السياسي والديني ليكون اكثر اعتدالاً وانفتاحاً وتسامحاً وشمولاً ومساواة بين المواطنين. وإلا فإن الفشل في تغيير الخطاب والسياسات السعودية سيعطي التنظيمات المتطرفة وضعاً تفضيلياً يؤهلها في مرحلة ما من ترسيخ تغلغلها بشكل أكبر في المجتمع السعودي، رغم كل الجهود التي تبذلها المؤسسات السعودية الرسمية وغير الرسمية لكبح نشاط تلك التنظيمات في المجتمع السعودي.