في تمام الساعة 12:30 بعد الظهر من يوم الجمعة 8/5/2015 دخل قائد حزب المحافظين- رئيس الوزراء الحالي- ديفيد كاميرون إلى قصر بكنغهام لمقابلة الملكة إيليزابيث الثانية، وقامت بتوجيه سؤالين بسيطين له هما: “هل لديك ثقة البرلمان؟” و “هل تنوي تشكيل الحكومة القادمة؟”، وكانت إجابته على السؤالين بنعم. لم يكن هذا المشهد متوقعاً تماماً، بوجود الملكة في ويندسور حتى الصباح وعدم تخطيطها للمجيء إلى لندن، فبحسب جميع استطلاعات الرأي العام وحتى السياسيين، كان من المتوقع أن تكون هنالك مفاوضات تستمر لأيام عدة بين قادة الأحزاب قبل تشكيل حكومة إئتلافية أخرى. لم يتوقع أحدٌ أن يفوز حزب المحافظين بالانتخابات، ولا حتى المحافظين أنفسهم، لكن أغلبيتهم الصغيرة جداً في البرلمان تجلب تحدياتٍ عديدة وسيكون لها تأثيرٌ على السياسة المحلية والخارجية.

هنالك أسباب عدة أدّت إلى انتصار المحافظين، من بينها أفضلية التمويل الكبيرة، والدعم الكبير من وسائل الاعلام، وقلة دعم الرأي العام لقائد المعارضين إيد ميليباند، وضعف الديمقراطيين الليبراليين، والفوز الكبير للحزب الوطني الاسكتلندي في إسكتلندا الذي أخذ معظم مقاعد حزب العمال، لكن أهم تلك الأسباب كان حقيقة أنّ الاقتصاد قد تحسّن بشكل ملحوظ مما سمح للمقترعين بالثقة بقدرة المحافظين على إدارة البلاد.

 معظم إستطلاعات الرأي كانت تشير إلى أنّ حزبي العمال والمحافظين كانا ذاهبين بشكل متعادل إلى الانتخابات، مما يعني أنه لم يكن لأي منهم القدرة على الحكم من دون عقد تحالفات، لكن ما حصل هو أنّ كاميرون قد حقق إنجازاً نادراً بزيادة عدد المقاعد لتشكيل الحكومة، وهو ما تحقق في الماضي من قبل مارغريت تاتشر عام 1983، والآن لدى كاميرون 331 عضو برلمان، وذلك يعني أغلبية، عملياً، بمقدار 12 ، لكن في الحقيقة هذا الرقم قد يزداد أو ينقص عند أي تصويت على أمر مهم أو بمرور الوقت عند مجيء الانتخابات التكميلية. آخر حكومة محافظين لجون ميجور عام 1992 بدأت بأغلبية 21 لكن ذلك أختفى بسرعة وكان انهيار انضباط الحزب أحد العوامل وراء الفوز الساحق لحزب العمال عام 1997.

الحصول على الأغلبية يعني أن كاميرون يمكنه أن يؤدي بيانه الانتخابي بحرية أكثر بكثير مما كانت لديه عام 2010، وهذا يعني أيضاً أنّ هنالك مناصب وزارية أكثر يمكنه أن يعرضها على الحلفاء والأعداء، وسيكون ذلك مهماً جداً لسببين: أولهما، إنّ المقترعين قد أظهروا أنّهم لن يسامحوا لحزب أن يخلف وعوده (كما حصل مع الديمقراطيين الليبراليين عندما رفعوا الأجور الدراسية)، وثانيهما، كان على كاميرون أن يفوز على أكثر من 24 من أعضاء البرلمان في حزبه ممن يشككون بسياساته، حيث لا يمكنه أن يعتمد على شريك تحالف لدعمه في التصويتات كما حصل في الحكومة السابقة.

سوف يستمر كاميرون باجراءات التقشف، واثقاً بأن نتائج الانتخابات تعبّر عن موافقة الرأي العام على سياساته الاقتصادية، وسيكون هنالك حزم أكثر خلال السنوات الخمس القادمة فيما يخص الهجرة والانفاق على الرعاية الاجتماعية وتقليل الاقتراضات. هذه الاجراءات سوف تُسعد أفراد الجناح اليميني في الحزب ممن إشتكوا بمرارة من تهديد حزب الاستقلال البريطاني، الذي يشكل الآن ثالث أكبر حزب بنسب التصويت، لأصوات حزب المحافظين.

إنّ التحديين الرئيسين اللذين يواجهان كاميرون هما إسكتلندا والاتحاد الأوروبي، فالحزب الوطني الاسكتلندي الذي دفع باتجاه الاستقلال بشدة العام الماضي في الاستفتاء، يسيطر الآن على إسكتلندا، وبسيطرة حزب العمال على ويلز، فإنّ حزب المحافظين قد أصبح في الحقيقة حزباً إنكليزياً فقط. وقوة الحزب الوطني الاسكتلندي، على الرغم من أنّها لن تسبب استفتاءً آخر للاستقلال في السنوات القادمة، إلّا أنّها تعني أنّ على كاميرون أن يرضيهم في مسائل عدة، لأنّ ويستمنستر سيكون لها سلطة قليلة في إسكتلندا، ذلك بالتأكيد سيكون متناقضاً وسيؤدي إلى استقلال فعلي لاسكتلندا، وهي خطوة أخرى لتفكك المملكة المتحدة.

وقد وعد ديفيد كاميرون، في بيانه الانتخابي، باجراء استفتاء حول عضوية الاتحاد الأوروبي عام 2017، وسوف يعمل الجناح “المشكك بالاتحاد الأوروبي” في حزب المحافظين بجد للتأكد من أنّ النتيجة هي خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي. وقد صرّح السياسيون الأوربيون بأنّهم ينوون العمل مع كاميرون على التفاوض من جديد حول عضوية المملكة المتحدة في الاتحاد الأوروبي لضمان بقائها فيه، لكن على الأغلب سيكون أقوى تحدٍّ سياسي يواجهه خلال السنوات الخمس القادمة هو : كيف يُبقي بريطانيا ضمن الاتحاد الأوروبي على وفق بنود جديدة للعضوية ؟ ويتأكد من أنّه لن يخسر في الاستفتاء كما يريد الكثير من أعضاء حزبه.

الشيء الرئيس الوحيد المفقود في حملة الانتخابات كان دور السياسة الخارجية، باستثناء مسألة الاتحاد الأوروبي بالتأكيد، فبعلمه أنّه قد خسر تصويتاً على التدخل العسكري المباشر في سوريا، وأنّ جمهور الناخبين لا يزال يشعر بأنّه قد خُدع في حرب العراق، تجنب كاميرون- بحكمة- الشرق الأوسط بأكمله. في الحقيقة، لم يكن هنالك أي ذِكر واضح للسياسة الخارجية في بيانه الانتخابي، مما يعني أن كاميرون يملك حرية أكبر في تكوين سياسته الخارجية الآن، وأيضاً فإنّ إبقاء بريطانيا خارج الجدالات الخارجية هو الطريق الأكثر أمناً للمُضي قدماً. إنّ التهديد الذي يشكله الارهابيون المتطرفون يعني أنّ بريطانيا ستستمر في إشتراكها والتزاماتها الحالية في الخارج، لكن المصوّتين قد أظهروا أنّ السياسة الداخلية أكثر أهمية لهم بشكل كبير، وأنّ أي شيء تفعله بريطانيا في الخارج ينتهي- تقريباً بشكل دائم- بجعل الأمور أسوء.

وبالتالي، من غير المحتمل أن يراهن كاميرون على السياسة الخارجية، لكنه سيستمر بالتأكد من أنّ بريطانيا سيكون لها صوت مهم بجانب الولايات المتحدة، فضلاً عن العلاقة مع بلدان الخليج ،المهمة  بالنسبة لبريطانيا تحديداً، لذا فإنّ سياسة الشرق الأوسط ستستمر بناءً على ذلك، ولدى بريطانيا مصلحة قليلة في أفريقيا في الوقت الحالي، لأنّها تبحث عن العمل مع بلدان يمكنها أن تفيدها إقتصادياً، أمّا فيما يخص الأماكن الأخرى يمكن أن نتوقع أن يبقى الحال على ما هو عليه، وإنْ حصل أي أمر عالمي طارئ فإنّ بريطانيا ستتبع الخط الأميركي ببساطة، لكنّها ستستخدم موارد أقل بكثير.