في بداية عام 2015، حصلت الكثير من التظاهرات في العراق احتجاجاً على شحّة الوظائف المدنية نتيجة ميزانية التقشّف، والخريجون، تحديداً، كانوا غاضبين بشدة لعدم توفير الوظائف لهم كما كان متوقعاً وكما كان يحصل في السنوات التي سبقت، وطالب السياسيون ورجال الدين الحكومة بتوفير الوظائف، محملينها مسؤولية تأمين الدخل للمواطنين، لكن حتى الآن، لم تُزِد الحكومة الوظائف الجديدة المتوفرة أكثر مما هو محدد في الموازنة، ومن المحتمل أن يتكرر هذا الوضع العام القادم.

يمكن لأي مراقب أنْ يعلم أنَّ التعيين الحكومي يعاني أصلاً من مشكلتين رئيسيتين، وهي زيادة عدد العاملين (البطالة المقنّعة)، وانعدام الكفاءة، لذا فانّ ثلثي الموازنة العراقية تذهب لدفع الرواتب والمصاريف، وهي نسبة غير محتملة مع إنخفاض أسعار النفط، في الوقت الذي توجد فيه، في كل دائرة من دوائر الدولة، زيادة كبيرة في عدد الموظفين، في حين أنّ الانتاجية منخفضة بشكل كبير. وإنّ مشكلة الفساد المزمنة تضاعف مشاكل الدولة، فالتعيينات مبنية على نظام المحاصصة السياسية والطائفية الحالي، من دون إعطاء قدرٍ كافٍ من الاهتمام لمعرفة ما إن كان الشخص مناسباً للوظيفة أم لا، ولا توجد ثقافة المراجعة والتقييم والتطوير المهني، بل في الحقيقة، إنّ التعيين الحكومي هو وظيفة مدى الحياة، حيث لا يُفصل أحدٌ تقريباً أو يُعتبر زائداً، بل يُنقل من قسم إلى آخر حتى لو لم يكُن كفوءاً، ولأن التعيين الحكومي يوفّر راتباً تقاعدياً ووظيفة مدى الحياة، نجد هنالك طلباً وانتظار عالٍ من أجل التعيين في الدولة.

حسب دراسات وزارة التخطيط الصادرة عام 2013، فانّ آخر تقدير لسكان العراق هو 35,1 مليون، مُصَنّفٌ منهم 20 مليون شخصٍ كبالغٍ وقادرٍ على العمل بين الـ15 والـ65 عام، لكنّ الحجم الحقيقي للقوة العاملة يتراوح بحدود 8,5 مليون شخص، وهو رقم منخفض والسبب هو أنّ الاناث المشاركات 15% فقط. لدى الدولة 3,5 مليون موظف مدني دائمي، بالاضافة إلى مليون يعملون بعقود محددة المدة، تُضاف لهم قوات الأمن في وزارات الدفاع والداخلية التي مجموعها 1,5 مليون، فيصبح المجموع الكلي لموظفي الدولة 6 مليون من أصل القوة العاملة التي تعدادها 8,5 مليون، بالاضافة إلى ذلك، هنالك حوالي مليون شخص يستلمون رواتب من الرعاية الاجتماعية لكنّهم غير موظفين. إنّ عدد موظفي القطاع الخاص قليل، ونتيجة نسبة البطالة التي هي 16%، والـ 500,000 شخص، تقريباً، الذين يدخلون إلى القوة العاملة كل سنة، فانّ على الحكومة ضغط كبير لايجاد حلٍّ لأزمة الوظائف.

إنّ الشعب العراقي شعبٌ يافع، 40% منه تحت سن الـ15، ومعدل النمو السكاني فيه 2,6% وهو ضعف المعدل العالمي، ومن المتوقع أن يصل تعداده السكاني الكلي إلى 80 مليون بحلول عام 2050، وفرص التعليم ومشاركة الاناث في القوة العاملة تزداد تدريجياً، مما يعني أن الطلب على الوظائف في الأعوام القادمة سوف يزداد، والحكومة غير قادرة على تحقيق الوظائف الحكومية المتوقعة منها في السنوات القادمة، لذا سيتوجب عليها أن تتخذ عدّة إجراءات لتجنب أزمة أكبر. أدناه بعض المقترحات فيما يخص سياسة التعيين:

  • التحديد الواضح لعدد وظائف قطاع الدولة المتوفرة كل سنة للتحكم بالتوقعات وتحديد استيعاب الموظفين إلى 20% من الخريجين الجدد سنوياً.
  • إدخال تقييمات الأداء إلى قطاع الدولة لمعالجة مشكلة عدم الكفاءة وتشخيص مشاكل البطالة المقنعة.
  • زيادة معدّل الضرائب المفروضة على موظفي الدولة ذوي الرواتب العالية، وتقليلها بالنسبة لموظفي القطّاع الخاص.
  • توفير إعانة مالية للقطاع الخاص بمقدار 25% على رواتب الموظفين الجدد لأول سنتين، لزيادة تعيينات القطاع الخاص بالنسبة للخريجين ووظائف المبتدئين.
  • توفير القروض المدعومة حكومياً للمقاولين والمتعهدين إن هم وظّفوا عدداً أدنى من الموظفين.
  • رسم مشروع جديد لتقاعد القطاع العام والخاص، بحيث يحصل موظفوا القطاع الخاص على رواتب تقاعدية مقاربة لما يحصل عليه موظفي قطاع الدولة.
  • تشريع قوانين لتطوير القطاع الخاص والاستثمار لتشجيع الشركات المحلية والأجنبية على العمل في العراق، ويشمل ذلك تخفيضات ضريبية للشركات التي توفّر عدداً كبيراً من الوظائف.
  • يجب أن يُفرض على الشركات التي تُمنح عقوداً حكومية أن يكون 95% من قوتها العاملة عراقيين.
  • تطبيق نسبة محددة من تأشيرات العمل الممنوحة للأجانب.
  • الاستثمار في البنى التحتية، والمعامل، والزراعة، لفتح آلاف الوظائف.
  • خصخصة الشركات الحكومية المسببة للخسائر، مع ضمان الوظائف.
  • إسناد المزيد من عمل الحكومة إلى القطاع الخاص لزيادة الكفاءة ونقل الموظفين من قطاع الدولة.

من المفترض، أن يأتي نمو الوظائف في السنوات القادمة بشكل كبير من القطاع الخاص، ولهذا فانّ على الحكومة أن تتخذ إجراءات تدعم هذا النمو، وفوق كل هذا، على الحكومة أن تعمل على تحقيق ما يُتوقع منها وهو أنّها سوف ، توفّر وظائف للجميع.