من السهل أن تشعل النار، ولكن من الصعب أن تطفئها

أعلنت المملكة العربية السعودية في22/4/2015  إنهاء عملياتها العسكرية الجوية في اليمن وأنها قد حققت أهدافها المقررة لها ومن ذلك “إزالة التهديد الموجه ضد السعودية والدول المجاورة.” وقد أتى هذا الإعلان مفاجئاً لكثير من المراقبين الذين ظنوا أنها ستتحرك باتجاه ما أعلنته، “إعادة الشرعية” إلى حكم اليمن وأنها ستكون منطلقاً لتغيير سياسي يضع اليمن في مدار العربية السعودية، وأن يصنع لها وضعاً أكثر تأثيراً في المنطقة.

انطلقت العمليات العسكرية السعودية في اليمن في  26/3/2015 وفي خطوة غير مسبوقة من قبل بإطلاق عمليات “عاصفة الحزم” ضد الحوثيين في اليمن. وقد استنسخ السعوديون الطريقة الأميركية في الإعلان عن عملياتهم الجوية من قبيل تشكيل تحالف اقليمي تحت قيادتهم ضم مشاركة البحرين، الامارات العربية المتحدة، قطر، الكويت، الأردن، مصر، السودان والمغرب بطائراتها المقاتلة لقصف مواقع الحوثيين وقواتهم في اليمن. فيما أعلنت الولايات المتحدة أنها ستقوم بتقديم دعم لوجستي واستخباري للعملية، وفي الوقت نفسه أعلنت أنقرة أنها تفكر في دخول المعركة، ولكن على مستوى هامشي وإعلامي وربما لإسقاط الحرج لا غير.

ولا يعرف على وجه التحديد المغزى السياسي وراء اطلاق العملية. فالهدف الذي أعلنت الحملة أنها تسعى لتحقيقه كان إعادة الشرعية إلى قيادة اليمن، والمتمثلة بالرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، الذي يقيم حالياً في منفاه في الرياض، وضرب تنظيم الحوثي الذي بدأ يتمدد بسرعة متحالفاً مع الرئيس اليمني المخلوع علي عبدالله صالح. ويبدو أن “عاصفة الحزم”  لم تتمكن من تحقيقه بعد ما يقارب الشهر من بدايتها. ومتابعة للتصعيد الإعلامي والسياسي المرافق للعملية، فإن الأسباب الموجبة للعملية تتخطى إعادة تنصيب حليف للسعودية على سدة الحكم في اليمن. ويبدو أن العملية تتحرك باتجاهين في السعودية، اتجاه داخلي وآخر خارجي. فعلى المستوى الداخلي، جاءت العملية بعد شهرين من تنصيب سلمان بن عبدالعزيز ملكاً على عرش العربية السعودية. ويبدو أن الملك سلمان أراد أن يعطي إشارات قوية بأن نمط قيادته يختلف عن النمط الذي سارت عليه العربية السعودية خلال الأعوام الماضية تحت عهد العاهل السعودي الراحل، الملك عبدالله. فضلا عن ذلك فإن الملك سلمان يتجه نحو تعزيز وضعه في العائلة الحاكمة السعودية عبر إبراز دور ولده الأمير محمد بن سلمان، وزير الدفاع والعقل المدبر للحملة. فضلا عن إعادة تموقع للعربية السعودية كصاحبة تأثير ونفوذ في المنطقة، وخاصة على المستوى الخليجي والعربي. وتحشيد الرأي العام السعودي نحو معركة خارجية، كان الهدف منها بروز السعودية وقيادتها الجديدة قائدة لتحالف ضم 8 بلدان.

خارجياً، فقد عانت السياسة الخارجية السعودية من سلسلة من الانتكاسات في سياستها الخارجية خلال الأعوام الماضية. فالسياسة التي عملت السعودية عبرها على إسقاط نظام بشار الأسد في سوريا لم تتمكن من تحقيق أهدافها، بل وأدت إلى خلق أجواء خطيرة في المنطقة. ومنها صعود  الخطط التي عمل على تنفيذها الأمير بندر بن سلطان، الرئيس السابق لجهاز المخابرات السعودي 2012-2014، والذي عمل عبرها على فتح مجالات الدعم للجماعات الجهادية العاملة في سوريا، ومنها جبهة النصرة وتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام. إذ أدى هذا الدعم إلى تمدد التنظيمين واستقطابه لآلاف الجهاديين من أوروبا والعالم. ولم تنجح السياسات السعودية في تحجيم النفوذ الإيراني في المنطقة، بل أتت بنتائج عكسية تماماً. وقد بدأ انكفاء السياسة الخارجية السعودية واضحاً في الأعوام القليلة الماضية.  ومع تغير مواقف السعودية تجاه قطر وتركيا وربما لأسباب براغماتية تتعلق بالحملة الجوية ضد اليمن، إلا أنها فيما يبدو لم تنجح في خلق جو متفاهم بين البلدان التي شاركت في الحملة. فقطر فيما يبدو ستبقى البلد الذي يتحرك خارج السرب ومايزال يتقارب مع تركيا في محاولته للتخلص من ثقل وتأثير الجار السعودي. وفي الوقت نفسه لم يفلح السعوديون في الجمع بين المصريين والأتراك. فضلا عن ذلك فقد عانت الحملة انتكاسة علنية، وأظهرت أنها كانت تفتقد إلى التخطيط والتفاهمات الإستراتيجية. فقد أعلنت باكستان وعبر برلمانها أنها ليست في صدد إرسال قوات برية إلى اليمن، ويبدو أن المصريين أبلغوا السعوديين الرسالة نفسها ولكن بعيداً عن الإعلام. كما صمتت تركيا بعد زيارة قام بها الرئيس التركي (رجب أردوغان) إلى طهران في 7/4/2015. ومن ثم فقد وجد السعوديون أنفسهم يقاتلون عبر مقاتلاتهم ومقاتلات حلفائهم، التي حرصوا على إظهارها في وسائل إعلامهم لوحدهم دون أن يتمكنوا من تحريك قوات برية لهم أو لغيرهم لحسم الوضع ميدانياً هناك. ومع ارتفاع تكلفة الفاتورة العسكرية والتي يتوقع أنها وصلت إلى مليارات الدولارات، منها أكثر من ربع مليار دولار اضطرت العربية السعودية للتبرع بها إلى صندوق إنساني دولي لمواجهة الأزمات الإنسانية التي حصلت في اليمن بسبب غاراتها الجوية.ومع انخفاض أسعار النفط العالمية، فإن العربية السعودية وحلفاءها الخليجيين لن يكونوا في وضع مناسب يمكنهم من تمويل مثل هذه الحملة لمدة طويلة. وهكذا فشلت السعودية في إستراتيجيتها غير المعلنة في انشاء حلف “سني” ليس بالضرورة عربي-خليجي لمواجهة الإيرانيين ونفوذهم في المنطقة.ولكن تحت ضغط القصف الجوي تمكنت العربية السعودية من إستصدار القرار الدولي المرقم 2216 في 14/4/2015 بشأن اليمن.

يذكر خبراء عسكريون غربيون أن الغارات الجوية السعودية كانت تنفذ بعيداً عن أي إستراتيجية عسكرية ذات مدى أبعد وأوسع. وأن هذه الغارات قد أضافت وضعاً فوضوياً إلى الأوضاع الفوضوية التي يعيشها اليمن ستزيد من تعقيد أي جهود لحل المشكلات السياسية فيه. كما أدت إلى فتح المجال لتنظيمات القاعدة كي تتحرك بسهولة أكثر في اليمن، مما يشكل تهديداً إضافياً للسعوديين والعالم، خاصة أن الحدود بين اليمن والسعودية تمتد إلى 1800 كم، وهي حدود يصعب على أي جيش السيطرة عليها بشكل كامل.

لا يمكن تقدير عدد الخسائر البشرية التي أسفرت عنها الحملة، وإن تباهت وسائل الإعلام السعودية أن عاصفة الحزم قد أدت إلى قتل الآلاف من “الحوثيين.” ولكم من المؤكد أن هذه الحملة أسهمت وبشكل مؤسف في تدمير قطاع واسع للبنى التحتية وقتل مدنيين في بلد يعد من أفقر بلدان العالم وأكثرها تخلفاً. وقد تتسبب في ردود أفعال مضادة للسعودية لدى اليمنيين الذين عاشوا أوقاتاً غير سعيدة مع جارهم الشمالي منذ إنشائه وإلى يومنا هذا. ويبدو أن هذا هو أحد الأسباب الرئيسة التي جعلت إدارة الرئيس الأميركي أوباما تضغط على السعوديين لإنهاء عاصفة الحزم  حسب مصادر إعلامية.

ستترك “عاصفة الحزم” نتائجها بلا شك على الأوضاع في اليمن والسعودية والمنطقة. وبانتظار الحلقات الأخرى المرتقبة للتدخل السعودي في اليمن، وتحليلات الخبراء العسكريين للأداء السعودي، إلا أن إنهاء الحملة بهذه الصورة المفاجئة ودون تحقيق انجاز حقيقي واضح على الأرض، ولو على مستوى انتقال الرئيس اليمني عبد ربه إلى اليمن بدلاً من منفاه في الرياض، ومع ارتفاع التكلفة البشرية والمادية جراء الضربات الجوية ضد اليمن، وزيادة تعقيد الوضع السياسي فيه، وتصاعد مخاطر تنظيم القاعدة هناك، ومع وجود ضغوط أميركية ودولية بدأت تجد طريقها الى الإعلام على السعودية لانهاء الحملة، وعدم تمكن العربية السعودية من تشكيل قوات برية تحسم الأوضاع في اليمن اعتماداً على الباكستانيين والمصريين، فإنه يمكن القول أن هذه العاصفة لم تتمكن من تحقيق انتصار حقيقي يحسب للسعوديين بالشكل الذي يعطيهم تمايزاً سياسياً أو عسكرياً في المنطقة.بل وفتحت المجال واسعاً لإيران كي يكون لها حضور سياسي وعسكري أقوى في اليمن. ومن المتوقع أن تكون هناك نتائج على وضع توزيع السلطات والقوة في العائلة الحاكمة في السعودية بالشكل الذي سيطرح تساؤلات عن مستقبل الأمير (محمد بن سلمان) في العائلة الحاكمة، ومستقبله السياسي. ومن يدري فربما كان أحد أهداف هذه الحملة التخلص من بعض الشخصيات التي لديها طموح وتشكل خطراً على بعض التوازنات في العربية السعودية والمنطقة. ولكن ما يمكن التأكد منه أن قيادة الأمراء الشباب في العائلة الحاكمة السعودية لم تنجح هذه المرة في تحقيق إنجاز نوعي يكتب للسعوديين.