ذكر السيد أحمد الصافي، اثناء خطبة صلاة الجمعة في كربلاء في 13/3/2015  التي تمثل رأي المرجعية بما نصه، “ان ابناءنا الابطال في جبهات القتال – سددهم الله تعالى- يخوضون اليوم معركة مصيرية وغاية في الاهمية في الدفاع عن العراق في حاضره ومستقبله، ويسطرون تاريخ حقبة مهمة بدمائهم الطاهرة وهي أعزّ وأعظم ما لديهم لبذله في سبيل هذا الوطن. واننا نعتز بوطننا وبهويتنا وباستقلالنا وسيادتنا، وإذا كُنّا نرحب بأي مساعدة تقدّم لنا اليوم من إخواننا وأصدقائنا في محاربة الارهابيين ونشكرهم عليها؛ فإن ذلك لا يعني في حال من الاحوال بأنه يمكن ان نغضّ الطرف عن هويتنا واستقلالنا، ولا يمكن ان نكون جزءاً من أية تصورات خاطئة في اذهان بعض مسؤولين هنا او هناك.. اننا نكتب تاريخنا بدماء شهدائنا وجرحانا في المعارك التي نخوضها اليوم ضد الارهابيين وقد امتزجت دماء مكونات الشعب العراقي بجميع طوائفهم وقومياتهم. وأود ان أؤكد مرة اخرى على ضرورة حفظ هذا التاريخ الناصع من خلال التوثيق لكل جزئيات الاحداث خوفاً من التضييع او التبديل ومن حق الاجيال القادمة ان تطلع على تاريخنا وأن تقرأه واضحاً وصادقاً كما قرأنا نحن تاريخ اسلافنا.”

أما الشيخ عبدالمهدي الكربلائي، فقد أوصى، في خطبة صلاة الجمعة في 20/3/2015 بما نصه، ” أنه ينبغي أن تتوحد جميع الأطراف المشاركة في مقاتلة الإرهابيين تحت راية العراق ولا ترفع راياتها الخاصة بها لئلا يتسبب ذلك في إثارة بعض الهواجس والمخاوف ، كما ننبه على تأكيد سماحة المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني – دام ظله- بأنه لا يرضى أبداً برفع صوره في جبهات القتال والأماكن المحررة فعلى جميع محبيه رعاية ذلك.”

ويأتي هذا الخطاب رداً فيما يبدو على تصريحات تداولتها وسائل اعلامية مختلفة أطلقتها شخصيات مسؤولة في بعض دول الجوار عدها مراقبون تدخلاً في الشأن الداخلي العراقي. ونظراً للحساسية الكبيرة التي يمر بها العراق في وضعه الداخلي، ودخوله في حرب معلنة ضد تنظيم “داعش”، واحتمال تحول العراق الى ساحة صراع اقليمي-اقليمي أو اقليمي-دولي، فقد شعرت المرجعية الدينية في النجف الأشرف بخطورة مثل هذه التصريحات على الوضع السياسي في العراق بشكل خاص، وعلى وضع العراق كدولة بشكل عام.

فقد ذكر أحمد داوداوغلو، رئيس الوزراء التركي في مقابلة مع صحيفة التايم الأميركية، نشرته في 5/3/2015  ما نصه، “ان إخلاء داعش تكريت أو الموصل ودخول الميليشيات الشيعية اليهما، فإن ذلك سيعني نشوء حرب طائفية. ولهذا فإن تحرير المدن التي يقطنها السنة يجب أن يتم على يد قاطنيها.” وأضاف، “اذا كانت داعش تمثل تهديداً كبيراً للعراق، فإن التهديد الأكبر هو الميليشيات الشيعية.”

ونقلت وسائل الإعلام تصريحات لعلي يونسي، مستشار الرئيس الايراني للشؤون الدينية في 7/3/2015 والتي تحدث فيها عن موضع مدينة بغداد الحالية كجزء تاريخي لا يتجزء من الامبراطورية الايرانية. وكانت قد سبقت تصريحات علي يونسي تصريحات أخرى اطلقها عدد من المسؤولين الايرانيين، عسكريين وسياسيين وإعلاميين عن التمدد الايراني في المنطقة، واتساع نفوذ ايران في عدد من العواصم العربية، كبغداد، ودمشق، وصنعاء، وبيروت.  ومنها تصريحات نسبت الى اللواء جعفري، قائد قوات الحرس الثوري الإيرانية، وأخرى الى المحلل السياسي الايراني محمد صادق الموسوي.

أما أميركياً، فقد نال العراق نصيبه من تصريحات لمسؤولين أميركيين عسكريين وسياسيين، وأهمها تصريحات مارتن ديمبسي، رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية فيما يتعلق بتمدد ما وصفها بالميليشيات الشيعية واحتمال أن تتوجه تلك الميليشيات ضد السكان السنة أو الأكراد.

وفي السياق نفسه، ذكر الأمير سعود الفيصل، وزير الخارجية في العربية السعودية أثناء مؤتمر صحفي مع نظيره الأميركي في 5/3/2015 بأن “إيران تستولي على العراق.” فيما ذكر تركي الفيصل، وهو أحد الأفراد البارزين في العائلة الحاكمة السعودية، ورئيس جهاز المخابرات السابق في العربية السعودية في 16/3/2015 تناولت العراق ما نصه، “ان من ابرز ما يثير قلق السعودية، هو دعم طهران للميليشيات الشيعية العراقية في القتال ضد تنظيم الدولة الاسلامية.”

تأتي هذه التصريحات وسط تقدم تحرزه قوات مسلحة عراقية يتم دعمها بقوة بخبرات قتالية وتسليح ايراني مكثف في مناطق في محافظتي ديالى وصلاح الدين اللتين سقطتا في فترة الحكومة السابقة تحت يد تنظيمات متشددة ومنها تنظيم “داعش” في شهر حزيران 2015. وتوصف تلك المناطق التي يجري فيها قتال ضار للسيطرة عليها واخراجها من قبضة التنظيم بأنها ذات غالبية سنية، وقد عجزت القوات النظامية العراقية  في فترات سابقة من استعادتها على الرغم من محاولاتها المتكررة.

ومع الحماس الشعبي المنقطع النظير لمقاتلة تنظيم “داعش” بفضل الفتوى التي أطلقها السيد السيستاني في 13/6/2014، فإن تشكل تحالف دولي ضم الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا من جهة، وايران من جهة أخرى على خط مواجهة هذا التنظيم كانت له تأثيرات لتغيير كفة الميزان لصالح الحكومة العراقية في مواجهتها للتنظيم. فقد نجحت القوى الشعبية العراقية، بمساندة الخبرات القتالية الايرانية، ومدعومة بالقوات المسلحة العراقية، وضربات التحالف الدولي في حسم الأمور في كل من مناطق شمال بابل ومحافظة ديالى في وقت سابق. ويمكن القول أن هذه الانجازات جاءت نتيجة وجود تفاهم غير مكتوب بين هذه القوى، يتحرك في أفق وجود مصلحة مشتركة تتمثل في تحييد، احتواء أو القضاء على ما يسمى  تنظيم “داعش” وبغض النظر عن الغاية التي تسعى لتحقيقها كل قوة من هذه القوى في مقاتلتها للتنظيم، إلا أنها فيما يبدو تشترك جميعها في إضعافه.

ويبدو أن تقديم المساعدة من قبل القوى الاقليمية والدولية لمواجهة التنظيم في العراق قد جعلها تشعر بأنها تمتلك الحق في  التدخل في الشؤون العراقية الداخلية، كل حسب اجندته ومصلحته، وهي ضريبة يبدو أن على العراق دفعها، وعلى الرغم من أن تنظيم “داعش” لا يقل خطراً على تلك القوى مقارنة بالخطر الذي يمثله التنظيم على العراق.

ولذلك فإن تحرك المرجعية الأخير لتثبيت الخطوط الحمراء لوقف التدخل الخارجي في العراق، واحترام سيادته وقراراته قد شكل أحراجاً فيما يبدو لطهران وعواصم عربية وأجنبية أخرى. كما أحرج بعض القوى السياسية العراقية. بالاضافة الى ذلك فقد أكدت المرجعية أهمية تثبيت كيان الدولة العراقية في تحرك الحكومة الساعي لمواجهة التحديات التي يواجهها البلد، وخاصة محاربة تنظيم “داعش.” ومن هذا الاتجاه يمكن القول أن المرجعية الدينية في النجف ماتزال لاعباً حقيقياً ومؤثراً في مسار الشأن السياسي في العراق، وأن قراءتها للأحداث تتحرك في أفق عراق موحد، يمتلك استقلالاً وسيادة، ويتعاون مع الجميع في مواجهة المخاطر. وتدل خطابات المرجعية الدينية الأخيرة على أن توجيهاتها تتحرك في أفق ترسيخ الخطاب الوطني في العراق، ومنع تحول العراق الى ساحة حرب وصراع اقليمي ودولي، وهو أمر يستطيع أن يكون عاملاً موحداً لكل العراقيين في مواجهة واحد من أكبر التهديدات التي واجهها بلدهم.