مجلة ايكونومست

قتال الدولة الإسلامية يحرز بعض التقدم لكن تراجع الجهاديين امر صعب

عملية ترهيب جديدة ما زالت آثارها تتوسع, ففي الثالث من شهر شباط نشر جهاديو الدولة الإسلامية شريط فيديو يظهر الضحية الملازم طيار معاذ الكساسبة وهو طيار أردني ملقى القبض عليه بعد أن قذف بنفسه خارج طائرته (إف 16) التي كانت فوق اجواء سوريا في كانون الأول, ويبدو ان اللقطات المقززة تسعى لجذب مجندين محتملين للدولة الاسلامية وتخويف واستفزاز الأعداء في إجراء من شأنه أن يغذي دعايته ويخلق انقسام بين قادة وسكان الدول التي انضمت الى التحالف.

وكان من المؤكد أن الاردن في غضون ساعات قليلة سيرد بشنق اثنين من الإرهابيين المدانين بما في ذلك احد الذين كانت الدولة الاسلامية قد طالبت باطلاقهم سراحهم في مقابل الملازم الكساسبة في سوء تقدير بحسابتها, فبينما أوقفت دولة الإمارات العربية المتحدة تنفيذ طلعاتها الجوية ضد الدولة الإسلامية بعد القبض على الطيار فان الأردن تعهد برد “صارم”. الكثير من الشعب الأردني كانوا قبل أيام فقط يحتجون على قرار العاهل بالانضمام للتحالف ضد الدولة الاسلامية ويبدو الآن انهم متحدين غاضبين ويطالبون بالانتقام ومنهم الجماعات الجهادية التي أعربت حتى غضبها عن قتل الطيار.

وعلى الرغم من الدعاية المخيفة فان التحالف يمكنه ان يدعي أنه احرز تقدما بطيئا فمنذ ستة أشهر جمع باراك أوباما  60 دولة او يزيد في تحالف “لتفكيك وتدمير الدولة الاسلامية في نهاية المطاف” ومنذ الضربة الجوية الأولى في العراق يوم 8 آب اتسعت الحملة إلى سوريا وسعت لتشمل تسليح وتدريب حلفاء مثل الأكراد السوريين والعراقيين وقوات الحكومة العراقية.

القيادة المركزية الأمريكية ادعت أنها قتلت حوالي 6000 مقاتل من الدولة الاسلامية بما في ذلك نصف “قادة التنظيم الكبار” وبعضهم لديه 30,000 مقاتل في المعركة, وفي نهاية كانون الثاني تمكن المقاتلون الأكراد في كوباني – وهي بلدة سورية على الحدود مع تركيا- من طرد الدولة الاسلامية بعد أربعة أشهر من قتال عنيف مع مساعدة من قاذفات قنابل التحالف.

ويعتقد ان أكثر من 1000 مقاتل قتلوا في تلك المعركة ثم قام الأكراد السوريون أيضا بمد سيطرتهم الى القرى المحيطة بهم التي كانت سابقا تحت سيطرة الدولة الاسلامية, ويقول الثوار في المحافظات إلى الغرب من كوباني أن خطوط الجبهة هادئة مما يوحي بأن الجهاديين يعانون في حرب جبهات متعددة.

ومن الواضح ان الدولة الاسلامية تعرضت لأكبر انتكاسة بينما كانت لا تقهر ولا يمكن ايقافها في العام الماضي عندما تقدمت عبر العراق وسوريا, وعلى الرغم من انها لا تزال تسيطر على مساحة في سوريا والعراق بحجم الأردن وسكانه الا انها صارت غير قادرة على التوسع في مناطق بالعراق حيث يشكل الشيعة أو الأكراد أغلبية فيها وصارت ايضا غير قادرة على تهديد بغداد أو أربيل.

الدولة الاسلامية لا تُميّز بين العراق او سوريا حيث لا يفعل التحالف ذلك ايضا واذا كان التنظيم يتعرض لضغوط في العراق فمن المرجح أنه سيتوسع باتجاه سوريا حيث يمكن للتحالف ان يفعل القليل عدا زيادة عدد الضربات الجوية وحيث يحتمل وجود سكان سنة متعاطفين هو أكبر بكثير مما هم عليه في العراق مع استمرار فظائع نظام بشار الأسد التي تثير استياء السنة, اما خارج المناطق الكردية لا توجد قوات محلية يمكنها الدخول في شراكة مع التحالف وحتى يستطيع التحالف قبل كل شيء ان يحل مسألة “المصالح المتضاربة” في سوريا في كيفية التخلص من نظام الأسد فان الدولة الاسلامية على أحسن تقدير ستبقى موجودة.

ويظهر ان المقاتلين الأجانب يتدفقون بأسرع من أي وقت مضى لسد الخسائر حسب تقدير رامي جراح الصحفي السوري الذي يعيش على حدود تركيا مع سوريا, ففي كانون الثاني اقترح المركز الدولي لدراسة التطرف والعنف السياسي (وهي مؤسسة فكرية ومقرها لندن) أن هناك ما لا يقل عن20,000 جهادي أجنبي متجاوزا بذلك الرقم الذي توافدوا فيه لهزيمة السوفييت في أفغانستان في 1980.

على أرض الواقع لا تزال جبهة القتال متواصلة ففي تشرين الثاني استعادت قوات الحكومة العراقية بمساعدة من القوة الجوية لقوات التحالف بيجي اكبر مصفاة للنفط في العراق في تراجع كبير للدولة الاسلامية وبعد شهر فقدوا المدينة مرة أخرى, وعلى الرغم من ان الدولة الاسلامية بدت وكانها عززت قبضتها على محافظة الانبار ذات الاغلبية السنية فان بعض الميليشيات الشيعية التي تمت دعوتها بشكل مستغرب من قبل زعماء عشائر سنية محلية تمكنت من احراز تقدم, وفي أواخر كانون الثاني اخرجت الحكومة العراقية وقوى شيعية الدولة الاسلامية من ما تبقى من معاقله في محافظة ديالى شمال شرق بغداد.

والى الشمال فان الجهاديين في تراجع ايضا حيث يقول القادة العسكريون الأميركيون بأن الضربات الجوية مع الهجوم البري للقوات الكردية العراقية ابعدت الدولة الاسلامية عن مواقعها غرب الموصل ثاني أكبر مدينة في العراق التي سقطت بايدي الجهاديين في حزيران الماضي, وطرق امداداتها قطعت عبر أراضيها في سوريا, غير ان الحديث عن هجوم مبكر على الموصل في الصيف يبدو سابقا لأوانه ومن غير المرجح أن تؤتي ثمار جهود اعادة بناء الجيش العراقي بسرعة ولا يمكن أن تستعاد المدينة دون خسائر فادحة في أرواح المدنيين.

والتحالف هو أيضا حقق بعض النجاحات في ضرب الدولة الاسلامية في صميمها من خلال تدمير المنشآت النفطية فالغارات الجوية ابطلت أبرز مصادر نقدها الرئيسية وبذلك انخفضت عائدات النفط بنسبة الثلثين من (75,000 الى 1,3مليون) دولار يوميا بدلا عن (2,3 مليون) دولار في حزيران, والبنوك في المناطق الخاضعة لسيطرتها استفذت ما لديها من سيولة, والدولة الاسلامية تقتل الرهائن بدلا من مطالبتها بفدية بعد أن حصلت على 20 مليون دولار على الأقل في عام 2014. ويقول ماثيو ليفيتو وهو مفكر من معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى “اهم شيء هو ان مصادر التمويل هذه غير متجددة وبينما يعتبر التنظيم الارهابي غنيا فان دولته فقيرة والناس في الرقة حيث مقره السوري الرئيسي ما زالوا تدفع لهم الرواتب ولكن الخدمات المتهاوية تبقى المطلب الحرج.

هذه الانتكاسات ربما تساعد على تفسير قيام التنظيم بتصرفات مغولية أكثر من أي وقت مضى ليعزز روحه المعنوية ويحافظ على استمرار تدفق المجندين الجدد, وهذه تعطينا فرصة لفهم ما يجري كما يقول ليفيت فقصص اخذت في الظهور عن مقاتلين من الدولة الاسلامية قتلوا أو سجنوا من قبل التنظيم عندما حاولوا تركها ولكن لا تتم مداولتها على نطاق واسع “نحن بحاجة الى [أشرطة الفيديو] عن مقاتلين أجانب عادوا يقولون “ذهبت ولكن ما قمت به هو تنظيف المراحيض او ذهبت وأردت المغادرة لكنهم قتلوا اثنين من إخوتي”.

الحرب الطويلة لا تحتاج فقط الى مدافع وطائرات بل تحتاج أيضا الى استراتيجية شاملة ونفس طويل وصبور في معركة أفكار.

:رابط المصدر

http://www.economist.com/news/middle-east-and-africa/21642243-fight-against-islamic-state-making-some-progress-jihadists-are