باتريك كوكبيرن – صحيفة اندبندنت

تقرير مجلس العموم البريطاني في الاسبوع الماضي كشف ان مشاركتنا هناك هي محاكاة ساخرة!

التجربة المؤلمة عن مشاركة بريطانيا في حرب العراق عام 2003 جعل الحكومة تتفاعل بالقليل كلما امكن مع هذا البلد, وبحلول ربيع عام 2014 كانت الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) تعد لهجوم كبير كان من شأنه الاستيلاء على ثلث العراق، بينما يتكون القسم السياسي في السفارة البريطانية في بغداد من ثلاثة دبلوماسيين صغار فقط متواجدين منذ وقت قصير، اما القنصلية البريطانية في البصرة المدينة التي كانت قاعدة لعمليات المملكة المتحدة العسكرية ما بين عامي (2003 و2007) والتي هي مركز صناعة النفط في العراق قد أغلقت في عام 2011, وبشكل مثير للدهشة كان العراق على ما يبدو ضمن الأولوية الادنى للمخابرات البريطانية في لحظة عندما أصبح من الواضح أن كثيرا من البلاد سيتم الاستيلاء عليها من قبل حركة إرهابية هي الأكثر عنفا في العالم.

لجنة الدفاع في مجلس العموم في الاسبوع الماضي نشر هذه الحقائق في تقرير يمكن لاي شخص الاطلاع عليه والذي ينبغي أن يقرأ باهتمام وجدية لمعرفة دور بريطانيا في الحرب المستعرة الآن في العراق وسوريا, وتُبين عن كلام منمق من الحكومة البريطانية حول مكافحة داعش في حين لم تزعج الحكومة نفسها بوضع خطة سياسية وعسكرية من أجل ذلك لانه من الصعب في أية حال أن تفعل ذلك حيث ان الحكومة نفت معرفة ما يحدث في العراق, وتقارير اللجنة حتى في كانون الاول عام 2014 “على الرغم من تدخل المملكة المتحدة طويلا في العراق” لم يكن هناك أفراد من المملكة المتحدة على أرض الواقع مع خبرة عميقة بين القبائل، أو في السياسة العراقية، أو فهم عميق للميليشيات الشيعية الذين يؤدون الحصة الكبرى من القتال .

هنا وفي منطقة من أكثر المناطق خطورة على وجه الأرض أصبحت بريطانيا مرة أخرى تشارك عسكريا – اقصى حد اطلاق غارة جوية واحدة في اليوم – دون معرفة ما تريد القيام به, ويقول التقرير: “لقد صدمت اللجنة من عدم قدرة أو عدم استعداد أي من رؤساء الاجهزة في تقديم بيان واضح عن أهداف المملكة المتحدة أو خطتها الاستراتيجية في العراق, وكان هناك عدم وضوح حول من يرسم السياسة – مع ان هذه السياسة موجودة بالواقع “.

رؤساء الاجهزة المعنية اجابوا على الاستفسارات حول ما كانوا يفكرون به عن العراق, وفي سؤال “من المسؤول عن تحديد الإجراءات البريطانية في المستقبل” وجه الى قائد القوات الجوية المارشال السير أندرو بولفورد الذي اجاب “حسنا الجواب هو أن هناك ربما نحو 20 جهه مختلفة تمتلك عناصر مختلفة من نهج شامل نحن بحتاجة لتطبيقه في العراق وسوريا وفي جميع أنحاء المنطقة نظرا لتعدد الأوجه وتعدد الطبائع الخاصة في الحل النهائي وجميع هذه الأجزاء تتحرك إلى مكان ما”.

أشياء من هذا القبيل من المستحيل ان تحاكى بسخرية, بالطبع هناك إجابة بسيطة ومذلة على سؤال حول من يحدد السياسة: الولايات المتحدة. التقرير يذكر بصراحة شديدة ان “العديد من الأسئلة ‘المهمة” أو الاستراتيجية يبدو أنها قد تركت إما في فراغ بين الجهات الحكومية أو تركت للتحالف الدولي (الذي يبدو أنه يعني الولايات المتحدة) ولم نر أي دليل على ان حكومة المملكة المتحدة بكل مؤسساتها سعت لتحليل او مساءلة أو تغيير استراتيجية التحالف التي تلتزم به “.

وحتى الدعم “الانبطاحي” لسياسة الولايات المتحدة قد لا تجلب الحلول, ففي حديثه أمام لجنة الخدمات المسلحة في مجلس الشيوخ الامريكي في كانون الثاني قال الجنرال الامريكي المتقاعد جيمس ماتيس أنه في الحرب ضد داعش فان للولايات المتحدة موقف “استراتيجي- حر” وفي الوقت الذي تسعى فيه إلى إضعاف داعش والقضاء عليه لكنها أيضا تحاول الاطاحة بالرئيس بشار الأسد وبجيشه الذي هو العدو العسكري الرئيسي لداعش, هدف الولايات المتحدة كما هو مفترض ان يكون استبدال الثوار المعتدلين بدلا عن داعش والأسد ولكن هذه لا تكاد تكون سهلة المنال.

في المستويات الرفيعة فان قادة الولايات المتحدة ربما لا يرون انه هناك معضلة يواجهونها في مكافحة داعش بينما يقودون تحالف يستثني معظم الذين يقاتلون داعش على الأرض ويضمون أولئك الذين ساعدوا ورعوا الخلافة المعلنة, وما تعتقده الولايات المتحدة حقا عن نهضة داعش والمنظمات الشبيه بتنظيم القاعدة كُشف عنها بكل صراحة وبشكل غير دبلوماسي من قبل نائب الرئيس جو بايدن في اجتماع صغير في جامعة هارفارد في تشرين الاول الماضي وكلمات بايدن الآن تكاد تكون منسية، لكنها تعكس بلا شك المآخذ الحقيقية للعديد من القادة الأمريكيين على الوضع حيث قال إن المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وتركيا “كانوا مصممين على الاطاحة بالأسد لذا دعموا وكلاء حرب السنة والشيعة وماذا فعلوا؟ صبوا مئات الملايين من الدولارات وعشرات الآلاف من الأطنان من الأسلحة على أي شخص يريد قتال الأسد باستثناء الأطراف التي تدعم النصرة والقاعدة والعناصر المتطرفة من الجهاديين القادمين من أماكن أخرى من العالم “.

داعش تحت الضغط في العراق وتقوم بإعادة بناء قوتها من خلال الانضمام إلى الثورة السورية أما بالنسبة للـ”معتدلين” المشهورين الذين يعارضون داعش والأسد فان بايدن يقول عنهم “لا يوجد هناك معتدلين لان المعتدلين هم أصحاب المحال التجارية وهم ليسوا جنودا”, وكان من المدهش عندما سألت صديق عراقي في الأسبوع الماضي عما يمكن أن تفعله بريطانيا لمساعدة الحكومة العراقية فأجاب بنصف مزاح “تلقي القنابل على المملكة العربية السعودية”.

بريطانيا لاعب صغير في الحرب على العراق ولكن كما اطلع الأردنيون على ما هو مرعب في الأسبوع الماضي فان اللاعب الصغير قد يصبح هدفا رئيسيا, ربما كانت تلك احدى الرسائل التي ارسلت من قبل داعش في طقوس قتل الطيار الأردني. وبالعودة لتقرير لجنة الدفاع ووفقا لما ذُكر فان لا أحد في المؤسسة السياسية والعسكرية البريطانية لديه فكرة كبيرة عما يجري في العراق وسوريا أو أي مكان آخر في المنطقة وتقرير لجنة الدفاع لديه اقتراحات مختلفة حول مساعدة الحكومات التي تقاتل داعش في بغداد وأربيل العاصمة الكردية، والتي لن تكلف الكثير من ميزانية الدفاع 38 مليار جنيه استرليني, ولكن الجزء الأهم من التقرير هو الطلب من بريطانيا ان تقوم بتطوير قدرتها على تقديم تقييم مستقل عن الوضع الحقيقي على الأرض من خلال وجود “متخصصين ينشرون فورا في العراق للتركيز بشكل منفصل على المجتمعات السنية وقوات الأمن العراقية والبيشمركة والميليشيات الشيعة وداعش”.

مازالت بريطانيا تعيش هواجس الحرب على العراق في عام 2003 وما اعقبها من تفاصيل دقيقة بعد ذلك والتي ربما وُضحت (أو لا) من قبل لجنة تحقيق تشيلكوت, ولكن هذا التركيز على ما حدث منذ أكثر من عقد من الزمان كان قد شغل ما تسرب من وراء ستار الدخان لإخفاء المزيد من الإجراءات الأخيرة التي وضعت قادة سياسيين بريطانيين تحت طائلة المسؤولية مثل دور ديفيد كاميرون في إسقاط معمر القذافي كقائد لليبيا في عام 2011 أو السعي لترحيل الأسد في السنوات التي تلت – وكلاهما إجراءات صارت لصالح الجماعات الشبيه بتنظيم القاعدة.

كتب السير كرو كبير موظفي مكتب الشؤون الخارجية قبل الحرب العالمية الأولى “يجب على الاستعدادات السياسية والاستراتيجية ان تسير جنبا إلى جنب وفشل الانسجام بينهما سيؤدي إما إلى كارثة عسكرية أو هزيمة سياسية”, وعلى أقل تقدير فإنه سوف ينتج بعض المفاجآت السيئة.

باتريك كوكبرن مؤلف كتاب (نشأة الدولة الإسلامية: داعش والثورة السنية الجديدة)

رابط المصدر:

Isis in Iraq: Britain has no plan for tackling the militants, and no idea who’s in charge